أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
محاولة لقراءة "نشيد أوروك"
للشاعر عدنان الصائغ

زهير كاظم عبود
- السويد -

كلمات ليست كالكلمات.. هذيان أقرب للقلب منه إلى طرف اللسان.. أسرار تبدو مستباحة وألوان من الوهج تختلط و تحلق في الغيمة العالية.. أحرف تتطاير من قصاصات الجرائد تلتصق في بؤبؤ العين.
وأوروك التي تستقر على مدى الزمن تستظل بفي الجنوب ، وأوروك التي عافها الفرح ويبست سعفاتها  وقاطعتها العصافير وهجرها الناس فباتت ليس سوى نشيد وصدى ... وأطلال لم نزل نركض في أروقة معابدها ونعتلي زقوراتها ونصلي بأرضها .
وأوروك المتمسكة بجنبات التاريخ وحروف الذكريات وقدسية الكلام المنقوش فوق جدرانها وفوق حجارتها .. ونقوشاً تريد أن تصير كلاماً....
وأوروك التي باركها إبراهيم لم تزل تعتلي ناصية التاريخ وصهوة المجد الإنساني وتتقمص كل أشكال الحزن والفرح المنقوشة فوق تقاسيم الوجه البشري منذ أن تعلم الإنسان الكتابة المسمارية فوق ألواح الطين وعلى جدران المعابد السومرية.
وحين يبدأ الشاعر بكتابة مقاطع من النشيد علينا أن نستذكر الزمان والمكان ، فظروف الكتابة التي صاحبت كل هذا تستحق السؤال عن سعة المكان وبهجة الزمان الذي كتب به الشاعر مقاطع النشيد .
أهمية استحضار الزمان والمكان تلقي جوانبها على الظروف التي صاحبت كتابة النشيد إذ لم تكن ظروف مخاض لأبيات شعرية ولا لحظات من التجلي والهدوء الإنساني العميق  إنما تصلح لانبعاث هتافات وصراخ احتجاجي واختصار لمحنة الروح فهي تخالف قدسية المكان في ولادة القصيدة، هنا لانسجل نقداً ولامساجلة أو تقييماً  بقدر ما نسير مع كلمات  الشاعر حتى الرمق الأخير نبحر معه في سفائنه ونمتطي معه أرواحنا الصاعدة باتجاه الوطن نستظل بليل البلاد التي اصطبغت بالسواد ولطخوا جبهتها بالسخام ومسحوا من عينيها كل معاني الفرح وشطبوا من فمها  طعم الهلاهل وقرروا إلغاء الابتسامة من فوق شفاهها  فبدت باهتة كماء البئر تائهة كرمال الجزيرة رخوة مثل بقايا القشور العتيقة ، نقرأ النشيد واليد متسمرة فوق جهة القلب نتحدث من القلب عن العمر والليل وغمار الشواطئ ونهر الفرات وجبال كردستان وأحذية الجند التي باتت أقرب منا الى مركز الروح والجسد المبعثر فوق أيامنا ، نرتب أحرف الكلمات المتطايرة من ورق الجريدة تصير سطوراً بلا فارزة ثم تستحيل الى عجز وشطر وزحاف  وقافية وأرواح تفر من الجسد المتلفت يمينا و شمالاً ،  يساراً و جنوباً فتصير كلمات الشاعر قصيدة بحجم المخاض الذي يسميه النشيد ،  وكلاما بحجم الزمان تحت رحمة عين القناص وكتل الثلج في جبال كرد مند وفي حظيرة تمتلئ بروث الحيوانات وتعج بالعطن وتملأ الصدر  وتلغي كل معاني الحياة فيبدو النشيد نشيجاً  مثل كلام يسيل على جنبات شغاف القلب أو شمعاً مذاب  ينطبع فوق تلافيف الذاكرة والروح المهروسة بالأنشداد نحو كل أمل يمكن أن تحققها الكلمة وترسمها حروف القصيدة أو خيطاً من الدخان المنبعث من فانوس نفطي قديم قدم العمر.

(في المحافل
           أو في المز ابل
في الأغاني التي كرزتها الإذاعات
في حجر القحط يجرش ضحك السنابل
في دروب الصحافة, في اللادروب, الغروب الذي سال أو مال
من قال إن القصيدة لا تنتهي في جيوب المقاول).

يريد عدنان الصائغ أن يؤشر لما يحدث فينا وعلينــا فيقلب أوراقنا باحثا عن أدق أسرارنا لا بقصد إفشائها أنما يريد أن يدخل في تلافيف سرها ،  وقبل أن يقول أول كلماته يختزل الجملة الشعرية ويختصر القول فيتمتم بكلمات يقينا أنها تبعث الدفء والخدر تنزلق من بين فتحات آذاننــا  ولاتقف إلا عند جدران العقل والقلب وحينما تهدأ الروح نكتشف أننا نقرأ أسرار أرواحنا التي دخل في أزقتها ونسأله  فيقول لنا وهو لم يزل سابحاً داخل أرواحنا مصراً على مخاطبتنا من داخل العمق مثلما ينكب المرء على كتابة وصيته الأخيرة :

( خذ جرعة من خمور العراق
ستعرف أي أنين تخبئ ناياتهم في جنوب القرى ).

ويومئ بكلتا يديه ويشير إلى أكوام الحزن المترسب في أعماق الروح والعشق الفطري والأنشداد نحو البكاء ، والرحيل البعيد في أعماق روح الإنسان الذي ينشد له الصائغ  ففي أوروك يرضع الأطفال الحزن مع حليب الأمهات ، فيلملم الناس  ليستعير لهم بحة الناي الحزين المشارك بمهرجان الحزن الذي يتلبس الأرواح المهضومة والمتدافعة نحو بكائياتها الطقسية في المناسبات الدينية , وحتى في  مناسبات الأفراح حيث تجد أن الدمع هو القاسم المشترك ثم ينتقل لصورة أخرى تبدو قريبة بعيدة.. فيطلق شعاراته وأهازيجه غير عابئ بما ترمقه العيون وتكتبه تقارير المخبر وتمنعه شفرات ومقصات  الرقيب .... وهو يعلم حقاً مايخبيء خمر العراق من نفاذ الروائح و من بحة الروح وأطنان من الملح تستفز جراح الحزين وتسلب منه الفرح والحلم والبسمة البائسة والفرح الممتلئ بغصة الحزن ودم الروح الذي استحال إلى دمع وتخثر قبل أن يصل حدود الجفن فصار علامة فارقة.

( تتخثر فوق الموائد
– تكنسها –
في المساء مع القيء عاملة البار ).

ثم لا يفتأ يعود إلى الصورة التي رسمها لمحنة الحياة في زمان الوطن والحرب والجنرال وكل مساحات العمر في المكان المقدس الذي يسمونه وطن على الخارطة فيصير مكانا وقبراً  وحدود وبلاد غريبة ولقمة عيش معجونة بالقهر  وكلمة مغلفة بالخوف وجياع تهتف للسلطان وحدود وطنية تتناقص تبعاً للطقس وخيام منصوبة على أطراف الصحراء وورق لا نعرف ماذا كتبوا فيه ومن خولهم بالتوقيع على محتواه  .

( يضع الجنرال على حافة الصحن أضراسه وينظفها,
فتطير الإشاعات – مثل البعوض – بحارات بغداد :
كان ينظفها من لحوم الرعية )......
  
أي وجع ترسمه القصيدة وهو يكتب شعاراتها.. ؟ أي بلاء تجرجر هذه الكلمات ولازلنا نركع فوق برك من دمائنا ؟   فيضطر لقول الحقيقة.. وكتابة ما لا يقال وبعد كل هذا يبتعد عن تزو يق الكلمات وإبدال الكلمات المبتذلة بأخرى منتقاة أكثر قبولاً في صالونات الثقافة ولكن كيف تجيء الكلمات حين تفر الطيور من أعشاشها والناس من بيوتها وقطرات الماء من مطر السماء وتصير الفوارز نقاط حدود محروسة بالبنادق ، فيكتب:

( وصرّح في الاجتماع المدار وزير الحصار:
لقد نفذ الزيت يا سادتي في مخازن دولتنا
فليقلِّ المواطن بيضته بالضراط.....
وقام ليشرحَ.. فامتعض الجنرال
وقال لسيافه أن يعدل ميل الوزير
على شاشة العرضِ.. )

يا الهي، على كومة أي خراب  نجلس فاغرين أفواهنا نتفرج على أيامنا المنتحرة وليالينا الذابلة وشموسنا الخائفة وقطاراتنا التي تمشي إلى الخلف والجذور المقلوبة إلى الأعلى وحياتنا التي  أضحت بالمقلوب, يحاول أن يخرج من وسط عتمة الحياة وبيده شمعة تقاوم انسياب الرياح من كوة في الجدار ويضع يده اليسرى كعامل مساعد لإدامة بقاء الضياء ثم ينقلب الصائغ يسير عكس البشر معطيا ظهره للأمام أسوة بخراب الحياة فيعكس بذلك مرايا حزنه وآلامه فيتذكر السمسم البلدي والضفائر ورائحة الوطن العنبر  وبابل وتنانير النسوة وأزقة الكوفة وشط الفرات ويستذكر كل هذا الذي مضى:

(أريد من العشق هذا الفضاء الذي سوف يفتحه لوز صدرك)
(اذكر رائحة العشب في إبطك وأثمل من عرق مشمشي تحدر تحت قميصك في سورة الوجد).
(النساء خواب من الخمر عتقها الرب فأثمل كما شئت)

ورغم هذا الارتداد والاستذكار يعود عدنان الصائغ يتذكر عبود فيسأل ولكن أين عبود؟ ودون شعور يعود إلى حزنه وصورة أهله المؤطرة بشريط الحزن والمبللة بدمع العمر والعتيقة كأنها الدرب الى الموت الذي يتشكل له في صورة حفرة في أرض الكوفة أو لحد في أرض النجف أو صديق تم تغييبه أو أسم تخاف أن تسأل عليه أو رفيق تتنكر لمعرفة أيامه قبل أن يصيح الديك ويطلع الفجر هذا إذا طلع الفجر أصلاً .

(.. أأرى وجه أمي في غبرة الرز تقرأ في يافطات العيادات أسماء من سرقوا زوجها – حقن الأنسولين على جلده مثل خارطة علقت بالدبابيس).

ويستمر يضيء بكلماته فيعج المكان والزمان فتتداخل الأزمنة والأشخاص والأحداث والأمكنة, ربما يشكل هذياناً أشبه بصراخ موجوع يعطينا هنا الحق في الفرز ،  ولكن – عبود – يبقى يلاحقه تارة فوق نقاط الحروف  وتارة بين ألفوا رز, وأخرى يعتلي علامات تحريك الكلمات  ومختبئاً بين الهوامش.. يستعيد أنفاسه ويخرج من صمته الطقسي.

( إلى أن أدير رحى كلمات وأطحن روحي لتشرب قهوتها في الصباح فتاة ترى غير زرقة هذي السماء ).

يقودنا إلى البحر يلتقط كلماته من بين الأصداف لا يكتفي بالإشارة ولا تشبعه شهوة القصيدة ولا يعطله الكبت المتجذر في روحه فينتفض علينا كما تفعل القطط ونرقبه يرفع الأشرعة ويومي بإصبعه أن نلزم الصمت ثم يفيض بأحلامه عند أول ضوء صباح.. نحن لم نزل نرقبه بصمت وننظر ساعاتنا فنجد أن عقاربها اختفت والزمان توقف والريح حبلى بكل الكلمات الملتقطة من بين الأصداف غير أن قوقعة تسقط من بين كل هذا الركام ينحني قبلنا لالتقاطها يعود يذكرنا بأحزاننا... ينظفها من الرمل يعاينها ثم يودعها روحه دون أن نراها.

(جادلته بالظنون وجادلني بالسجون. افترقنا بلادين من سعف ودم).
          
ثم يعاود سيرته الأولى ويلتفت فجأة يسأل: ولكن أين عبود؟  لا نجيب لأنا تركنا قمر الليل معلقاً فوق أقفال باب بيوتنا العتيقة وكتبنا أسماءنا فوق الرمل للذكرى لكن من أتى بعدنا لم يجد غير خطوط متعرجة ورمال صافية لم تزل بكارتها كما خلقها الله!!. والشاعر لم يزل يهذي لم يدرك الصحو بعد .. كلانا لا نعرف أين عبود؟

( فأفتح قوساً لروحي على البحر تصعد أعلى الشروخ لتنثر كيس رماد التواريخ والقمل ).

إنه يوهمنا ارتقاء البحر فوق أقواس روحه لكنا وجدنا أكداس من رماد  التواريخ عالقة فوق شعره وملتصقة فوق جفنيه وبين طيات الملابس ودبيب الغواية يؤجج كل الرغبة باتجاه الكتابة لكنه لم يرتقِ البحر ولا هدأت سفائنه ولا طافت قصائده فوق موج البحر  غير أنّا وجدناه يشعل الشمع فوق قرص روث البقر اليابس من عطش التاريخ  تتناثر من فوق القرص نجوماً صغاراً تصير كلاماً قبل أن تتطهر في الماء حيث تطفو نقرأها بوضوح ثم نتوضأ فيها قبيل الفجر  ونغادر كل الشواطئ نحمل كلماته الممتلئة برطب الوجـع والمبتلة بما يتبقى عالقاً من رماد التواريخ لكنه البـلل الذي يشبه الدم لزجاً كما هو طعم أيامنا الباقية.

(أعرف يخذلني البحر. هذا الغروب بجاكيته الجوخ يجلس قربي مكتئباً يتلهى معي باصطياد بقايا النهار فيعلق حزني بأفقٍ من الكونكريت. إلى أين تحملني قدماي كأعمى يقود بمبصر, أبصر هذي المدينة مفرطة بالبلاهة, غيبني زمني في المسدس)
(فكيف أرى الفجر, من أين يطلع فجر العراق
وحراسنا كل يومٍ يعلون أسوارنا؟).

إذن يضع نقاطه وفوار زه ويرسم خطوط التماس ويبدأ يسقي الأرض بالدمع والكلمات دون سواها  يحلم بفجر عراقي فوق نهر الفرات المقدس يجلس عند الجرف يغمر قدميه بالماء المبارك يرنو بعينيه نحو الجرف الآخر وبهاء البساتين وشموخ النخيل و أيقاع ماكنة الطحين (1) والجواميس الغاطسة في الماء وصعود التراب الذي يطــغي  خلف العربات التي تجرجرها الخــيل , له طعم مالح هذا التراب غير أنّا نلحسه ونعود نرنو إلى زفة طير تسير بانتظام فوق صفحة الماء نرمقها بنظرة حسد ثم نعود إلى سلحفاة أخرجت رأسها تراقبنا, ((ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا؟)) وأخرى خرجت إلى اليابسة من الجور أو الجوع أو تتحدى.. وامرأة شمرت عن ساعديها وفخذيها تغسل ملابسها والصحون وطفل واقف يتبول قربها وعلى أمتار منه كلب عطشان يلغ الماء بلسانه بشكل تراتيبي فيرمينا بالكلمات والنظرات  . أشعر كم ابتعدنا كلنا بأحلامنا المؤجلة.

(أمسح عن مقلتيك ظلال المآذن كي تبصري الآن هذي السماء الوسيعة. لي زعتر ناضج في خسائر حقلي, ويضحك دعبل من عانة المتوكل ينتفها الترك في البركة الزئبقية).

إنها صورة تصلح لكل العصور أن يقوم المنتصر بنتف عانة الخاسر لكن المنتصر في هذا الزمان كلف الخاسر بنتف عانات ولحى الناس وبقيت عانته سليمة.... أعود إلى ترنيمة عدنان الصائغ وهو يهذي من وراء الزجاج بكلمات أغرب ما فيها إننا نفهمها دون أن ينطقها, لكنه يقولها ويصرخ ونحن نعرف انه يصرخ لكنه الزجاج الحاجز للصوت يا صاحبي فتلمس شعر عانتك قبل أن تصبح عرضة للنتف فتنمو ثم تعاد إلى النتف فنغفو قليلاً معه وجلين مما صار إليه الحال في زمان جديد ينتف فيه الفكر والكلمات والأنسان  .

(علقني من ذراعي بكلابة السقفِ.. ثم مضى..)

نرجوه أن يترك سيرة التعذيب وأن لا يذكرنا بأيامنا والبصاق الذي يملأ جباهنا.. ووشم العصي المكهربة والأنابيب الممتلئة بالحصى فوق ظهورنا.. رحم الله السياط والمجلدة.. يقولون لك اصمد فأنت رجل أقول هاكم أسناني المتساقطة وأذني التي صملت وشلل الكف  وعضوي المكهرب الذي خذلني وما انتعظ بعد ذاك ولا قذف بأيدي المحقق حين حقق معي عن طريقه وأزيز المثاقب ورنين المناشير وصراخ أمي وأختي تحت جسد المحقق ترمقني وتبصق فوق تأريخي ووطني وكل العشيرة وأصل العقائد وهذا النضال الذي يتكور في رأس قنيــنة تخترق الشرج الوطني من أجل ماذا ؟؟   .
حسناً يقول سأغير دفة الكلام.....

(كانت مدافعهم تحرق السهل نحو حلبجة يغمرها الثلج والشهداء,
حروبك من بصل وشعارك من فجل أيها القائد الورقي
تبيع الورود وأوسمة النصر فوق مقابر جندك,
وحدك تخطب فوق السهوب التي حرثتها القذائف).

لكنك تسمع هتاف الملايين سابحة بالعرق النابض من أجسادها تهتف أن نموت كلنا فداءً لك.. نموت نحن وأولادنا وآبائنا وأجدادنا  على أن لا يبتل حذاؤك في الشتاء لكن قائدنا الفذ يمثل دور الرجال فيقف بين كلابه أو يدفع البديل الهزيل ويندفع خلف الزجاج كما الجرذ في جحره... حقاً هو يعرف أن الملايين تهتف طالبة الدم لكن دمه هو لولا مقاس الحذاء.

(لكن عبود قال: الحضارة جنس وليس جناس.
ويضحك إذ يتذكر كيف تلعثم - في المسرح البابلي – الدليل السياحي
حين رأى في ظلال المدرج سروال سائحة تجلس القرفصاء..)

وتقول ولكن من أين تريد الكلام.. شاهدني أرتجف بعد موتي.. أي رعب هذا يا إلهي يقطع ارتجافي يحدثني:

(تأتي جيوش أمية من سورة الفتح
من منع الماء عن كفه فاستدار بعينين دامعتين إلى خيم الغاضرية,
تصرخ من عطش:
يا حسين ...
الكلاب التي ولغت في الفرات وأنت على الجرف ملقى
تناهشك النبل والصرخات
وقد خلفوك وحيداً بهذي الفلاة,
تمر عليك الخيول, الطبول, ذئاب الصدى, طائرات التجسس, لغط الإذاعات, ذيل المؤرخ, باص السياحة, زيت الصكوك, لعاب الملوك, الجرائد, نادلة البار ذات الثياب القصيرة, أوسمة الجنرال, طبل الأسى
ينفض الترب عن صدره والحوافر,
متكئاً نخلة في سواد العراق,
يشق الفضاء ضريحاً من الضوء).

أقول له أنت تجمع أو تطرح الكلمات.. تعود لمناحاتنا التي لم تزل مستمرة للآن... لماذا لا تخرج من هذا القمقم الأسود لا تدعنا نتذكر حقيقة عمرنا وتأريخنا .. جنرالك هو عبيد الله بن زياد.. وقتلاك هم نحن فاخرج من هذه الغيمة التي تحجر وقوفها فوق رأس أجدادنا ولم تزل في مكانها تقطر دماً ودمعاً وآه من العمر لا يستريح لك منا مزيدا من الدمع ونشيج كمرزاب ماء وهذي السيوف التي أكلت بعضنا والدروع التي صارت أغطية للقدور ثم صارت  تلتقط الــبث بعد المساء .
يقول عدنان حسناً..

(.. يشتعلُ الرقصُ أكثرَ.... تلتصقين بصدري فأنعسُ حتى إذا نعسَ الضوءُ ما بين غرفتها (....... والممرِ، رأيتُ العريفَ يقهقهُ من كدددددددددددد "ماتـ" ـي، ويسألني أن ألمَّ ثيابي على عوووووووووووووو "رتي" ) والفوانيسُ بلهاءُ أكثر عرياً من البحرِ..............)

لا زلت استمع وارحل بنا بعالم المرايا والرقص والمساء والثياب الملتصقة....

(هل يرثُ الأرضَ غير الملوكِ، وهل ترثين سوى دمعتي....
نريدُ بلاداً أقلَّ اشتعالاً
            وملكاً أقلَّ قتالاً
                  وأنثى أشفَّ وصالاً...
أمرُّ على قبر لوركا وأحصي الرصاصَ الذي نثروه على قبرِ ميثم....
في الطعناتِ التي قوّستْ جسرَ أضلاعنا لتمرَّ السبايا - طبولُ الفتوحِ على بابِ قصرِ الإمارةِ
أحملُ رأسي
          على طبقٍ
وأطوفُ......
بعصرِ المماليكِ                                
أغسلُ بالدمعِ شباكَ رأسِ الحسين - بمصر - فيلتفُّ حولي البهاليلُ والمقعدون. الصبياتُ يحملن أطباقَ آسٍ يطفن أمام الضريحِ،
يدقُّ الدراويشُ فوق الصنوجِ:
تلاقفها آلـ...
أصرخ :
يا أيها الواقفون على الحدِّ في حرب صفين...
هذي الخواتمُ مغشوشةٌ
والحكومات مغشوشةٌ ..
فانزلوا عن مطايا العنادِ
وسيروا حفاةً بهذي الوهادِ،
لصوتِ الجهادِ،
فقد نهبتنا خيولُ الغزاةِ،
وأنتم تُفلّون هذي المصاحفَ
                  عن آيةٍ لعليٍّ، وأخرى لعثمان.......
ويقولون:
            شورى
فافتحُ سحّابَ بنطالي الرثّ
               ثم أبول على نصفِ تأريخنا )

ينفلت عدنان الصائغ يسرد بلغة عميقة وأنيقة كل أنعطافات التاريخ العربي وزواياه الحرجة حتى تتيقن انه العمق المعرفي وسبر الشرايين التي بحت أصواتنا من صراخ كلماتها.. لا زال عدنان يصرخ دون جمل ودون كلام يريد أن يقول ما لا يقال... يقف فوق مرتفع يقول إليّ إليّ يا معشر الناس رأيت العباد ،  فينظر كل لبعضه وينصرفون بعذر أن أدركتهم صلاة الغروب وهم يتبادلون قروض الربا بحيلة شرعية لكنه لا يتوقف يصرخ فيهم أن لا تثردوا بصحن معاوية فيقولون.. لِمَ أليست هي هذي الحياة.؟؟. موازنة بين عفطة عنز وبين سرائر من حرير فيدلق كلماته خلفهم من نافذة مفتوحة تلحقهم الكلمات تلتصق بأذيالهم يحاولون أن ينفضوها لكنها تطير في الهواء وتعود تدخل في الضمير ويمد يديه إلى الأرض يكمش حفنة من تراب يشمها بين حين وحين ويسألنا نستقرأ تاريخنا بين دموعه ..... ولكن حين أدركتنا الصلاة أقمنا الفرائض دون وضوء.

(هل كل أرض أحن إليها بلادي؟)
(لك المجد يا وطن اللافتات التي خرمتها عيون الرصاص)

نستوقف الشاعر وهو يريد أن يسترسل بإطلاق الرصاص شعرا ويفتح صدره يومئ لما علمه كاتم الصوت الذي سلب القدرة على قول الحقيقة فننظر من بين ثقوب الصدر في حذر نشاهد متاهاتنا وصخوراً عليها بقايا بقع من أثر للحقيقة تقع خلف جسد الشاعر كل صباح ثم تميد مع الشمس وترحل عند الغروب, ثمة غصن يشق طريقه من بين كل الثقوب, طرياً مثل كل الحقيقة, قوياً مثل متانتها ... غضاً كما قوتها...

( أكتب تاريخ أهلي كما ينبغي ليتيم ,
كبرت كثيراً
ولم أنتبه لتجاعيد وجهي بين المرايا)

ثم يومئ بأنه يريد أن يسترسل فنصمت....

(الجذوعُ ستغدو كعوبَ بنادق أو مصطباتٍ لعشاق يأتون بعدي على شهقاتِ البنفسجِ. للسجنِ أعتابُهُ ولقلبي أسبابُهُ، غير أني أموتُ وعيني على وطنٍ لمْ أجدْ فيه ظلاً لقبرِ أبي..)

(مرحى لمن يصعدون سلالم أضلاعنا نحو أمجادهم ويبولون في فمنا)

نقول معه "مرحى لمن يسقطون بفخ الشعارات" ومن تحول وجهه تارة أخضر ثم أصفر ثم لا لون له... نقول معه كيف أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده وكيف تحولنا سلوقيين وديكه وقطط تموء عند المساء نكتب شعاراتنا على جدران دورة المياه في المدارس والبارات الرخيصة ومقاعد الباصات  ونشك حتى بأنفسنا .
وعدنان الصائغ لا زال يسأل.. ولكن أين عبود؟ يستغل ظروف الذوبان التي عمت الروح وأشغلتها  فينشد:

(خذني إلى شفتيكَ بتولا يفتقها الطلُّ، خذْ دورةَ الصدرِ كأســــاً إليكَ.......... ( رأيتُ الجنودَ يجرون عبودَ من  كمِّهِ..
- سيدي والبقيةُ فرّوا...
- إلى أين.. ؟)

هكذا إذاً يا ابن الصائغ وأنت تعرف أن عبود يجرجره الجند والعربات وملتصقة على دبره كل تقارير المخبرين والوكلاء وهو يقرأ النشيد الوطني الملغي ويختلط لعابه وبصاقه  ودمه مع الصراخ ونسأل نحن ولكن أين صار عبود؟

(أسندتُ ظهري إلى خنجري، قلتُ : لن أتراجعَ ... لكنهم خذلوني ومدوا لكفِّ عدوي الزهورَ التي صففوها لشاهدتي)

ولكن الحشد الراكض خلف البرق يحمل بيديه أسلحة يدوية وسكاكين تحمل آثاراً للدم المتيبس من جسد مسلم بن عقيل بن أبي طالب  (2) يحملون سعفاً لنخيل الكوفة مكتوب فوق الخوص أبيات من الشعر والغزل المفرط بالإباحية ويضحكون فيكشرون عن أنياب كما البغل سوداء من أثر الحقد يبولون كل صباح على أحلامنا ويرفعون شعاراً بأن تقوم الحكومة بتخويلهم تحويل قبر زيد (3) إلى منتجع سياحي لدعم الاقتصاد الوطني  ودمه صبغاً للأظافر ورماد جثته وسمة لطلي اللحى والشوارب مسايرة للون الزمان .

(قالَ المقاولُ :
- نبني الوطن.
فكوّمتُ عمري طابوقةً فوق طابوقةٍ
كان المقاول ينشئ من لحم أحلامنا، شققاً وفنادقَ...
لكننا - حين كنا نجيءُ لبغداد -
تطردنا شرفاتُ الفنادقِ والحارسُ الأجنبيُّ
                    فنأوي إلى خانِ أحزاننا وننام )  . . .
قال السياسيُّ:
-  نبني الوطن .
فرحنا نشدُّ البلادَ على جوع أمعائنا
ونهوّسُ في الطرقاتِ
يطاردنا الشرطةُ الملكيون والفقرُ
أسمالنا والرياحُ
كروشهمو والحقائبُ
قال المرابيُّ
قال الصحافيُّ
قال اللواطيُّ
قالوا.....  وقالوا ...
وقلتُ : سلاماً.. أيا وطناً
            لمْ نجنِ منه سوى الصفعات)

لم يزل يكتب كلمات ساخنة لا أعرف كيف يديفها بيديه كرغيف ساخن ثم يدلقها علينا كلمات كالهذيان المحموم يحاول ترطيبها عبثاً فهو يطالبنا بأن نخزنها في قلوبنا فهم قادمون إلينا, يخاف على الحمام الذي يحط فوق قباب مســلم بن عقــيل وأمام ضريح هاني بن عروة و ميــــثم الــتمار(4).... يطيش الرصاص فتلقاه صدور شباب غض يبتسم قبل أن يلفظ أنفاسه تخيم فوق سبايانا الغيوم.. مطر أسود.. طحين كالتراب مالح بطعم الحياة يتناثر فوق سمائنا .

(كان دمُ ديموزي - الحسين - المسيحْ
... يسيرُ مع النهرِ والنخلِ والريحْ
صحتُ برمل الجزيرة : أين الفراتُ ؟
    فجاء الصدى :
     كلّ شلوٍ من الحسين فراتُ
        كلّ قطرةِ دمٍ.. تصيحْ
            على خشبِ الصلبِ :
                               موتي حياةُ )

ينتفض القلب نحو الحمام.. الكلام.. القصيدة تضللنا بفوار زها.. عن أي فصول يتحدث الشاعر.. عن أي وضوء ونحن في ربعنا الخالي نحلم بقطرة ماء... ندعوه أن يصلي معنا صلاة الهطول وأن ينقطع الجوع عنا أو ينتهي العمر.. ما قيمة هذا العمر اليابس دون قطرة ماء .
عطاشى لكلمات الشاعر.. دواء لأوجاعنا وجراحاتنا.. عطاشى ولا من مطر ولا غيمة ذابلة, غير أن رائحة النفط تخنقنا ذيل من دخان يصبغ أرواحنا ودموعنا نهاراتنا المصبوغة بالدخان الأسود والليل الذي يكتم الأنفاس والنفط كريه الطعم والرائحة لكنه النفط  .

(فمن قسم الأرض ما بيننا:
فلهم قمحها
ولنا قحطها
ولهم نفطها
ولنا لغطها)

( - سيعلّقكَ الأعورُ العبدُ من قدميكَ ككبشِ الأضاحي، إذا لمْ تقرَّ بأسماءِ من فجّروا شاحناتِ العتادِ بدرب المحا ويل ...) ..
إذن أدخلت كل الشعر والكلام الجميل إلى لعبة التخريب ها هنا لا يشفع لك عبود أو غيره.. هذا الزمان القميء الذي يخزن القات ملأ شدقيه ويبصقها سائلاً يملأ أفواهنا.. نكتب صرخاتنا عبر حبر الجريدة غير أن المطابع مشغولة فيشتبك الحرف والفارزة.

(يا سيدي سوف يخذلكَ القومُ
إن فعلوها فحسبيَ ربي وهذا البعيرُ الذي سوف يحملني مثقلاً بالحبالِ، فأن أنزلوا جثتي وصُلبتُ على نخلةٍ في الكناسةِ
                 انتظروا أربعاً مثقلاتٍ ،
ستبني الحمائمُ أعشاشها في الحشا وتنوحُ :
   لكلِّ قتيلٍ
معشرٌ يطلبونهُ
      وليس لزيد في العراق مطالبُ)

هل هو ندم الإنسان الذي يتلبس روح الشاعر؟ هل هي الاستذكارات المتكررة للخذلان؟ هل هي القبور والدماء والصلب والسحل والرؤوس اليانعة والرماح التي ترفعها والوطن الذي يريدون أن يهبط دون خط اللئيم وتحت خط البول ونهيق الحمير وكل خطايا الأرض التي ضيعتنا وبحت حناجرنا ونحن نصرخ.. لكنه يصرخ أعلى من صوتنا أقول لكم.. ولكن أين عبود؟
وأين لنا أن نعرف العبد والمعبود والسيد والعبود؟ وفيم هذا الإصرار على شطر البيت الآيل للسقوط.

(أدخل في دورة للمياه وأسحب سيفونها
يجرف النص وهو يبقبق بالفن والمستقبلية).
ثم يتأوه ويقول:
(هوس النهد يرغو يماماً يمشط هذا الفضاء جناحاه.)

نقول انتبه فثمة قش تحت أقدامنا وأنت تثير الشرار.. هل ينفع الجرس داخل الماء؟ إذن انتبه عندما تدخل الكهف فلا ضوء ولا عواء وفانوسك يحرق كل أصابعك المبتلة بسائل سريع الاشتعال... نقول انتبه فثمة خوف مثل السكاكين يحز زوايا القلوب فينشرها على ورقات الجرائد سطوراً باردة مثل الزمهرير تسيح على بعضها البعض تصير جملاً وسطوراً.. هل ستقول لنا أين عبود؟

(أيها الجنرالُ الذي كان يرقبُ من شاشةٍ قربَ مضجعهِ، الراجماتِ تدكُّ مدائننا وهو يعلكُ غليونَهُ الأجنبيَّ : أهذا إذن كلُّ ماظلَّ من وطني ؟.)

( يقرأُ في محضرِ الأمنِ أوراقَهُ :
سيدي كان يحملُ مسبحةً، عدد الخرزات بها 101،
                              سوداءَ حسينيةً ..
سيدي ويوزّع حلقومَ أم البنين بموكبِ عگد زُبالةَ ).....


(ينشج الطفلُ، معترفاً أنهم ضاجعوها، ثمانيةً، وهو يرقبهم ( فاستراحتْ إليهِ، إلى الرجلِ الضخْمِ، حارسه في أبي غريب )

( لكنهم أخذوني إلى جبهةِ الحربِ.
بعد سنينٍ، رأيت المحقّقَ يخطبُ في البرلمانِ عن الأمِ،
والضابطَ العسكريَّ عن الأمميةِ،
والمومسَ الـ.......
أماهُ، قولي لهم أين قبرُ أبي ؟)

سنقف قليلاً سوية فوق جسور أعمارنا المتقطعة فوق جسر السماوة والفاصل الذي يفصل كل مداخل عاصمتنا وعند مقابر أولادنا السرية وأقبية الأمن والنساء التي صارت حطباً والوليد الذي تم إعدامه عطفاً عليه لأن أمه تم إعدامها قبل أن تكتمل هلا هلها الأخيرة (5) ونقاط التفتيش التي ما أنفكت تفتش بين طيات أعمارنا عن أرواحنا الذابلة ،  وحديث هامس يتلاشى بين هتافاتنا ورقصاتنا الشعبية.. الأمهات اللواتي يردسن بعبائتهن.. الشيوخ الذين يقفز عقالهم وتتناثر لحاهم والبنادق المرفوعة الابر والعماليق التي تركب فوق ظهورنا. إلى أين تريد أن تذهب يا ابن الصائغ؟ وماذا بعد؟؟

(أنا كلما مرت الطائرات انحنيت على وطني وبكيت)

(أسمع خشخشة القيد في كف عبود يشطب يوماً بتقويم هونما)

(ماذا صنعت بنا أيها الجنرال الموله بالتيه؟)

هل نغني معاً؟ حسناً نجلس الآن فوق رصيف المدينة, كلانا يحمل ربابة أوتارها من ذيل حصان عربي لكن الصفيحة تحمل علامة زيت لشركة أمريكية.. وماذا سنعزف لحناً حزيناً يقطع أنياط القلب ونكتب النوتة الموسيقية فوق أكف أطفالنا وأعمارهم  نهتف عاش.. وعاش.. وبالروح التي تصعد دونما رجعة وبالدم الدافئ مثل أحلامنا لكننا لم نقل يسقط.. أبداً ولا الموت.. فالموت لنا وحدنا دونه:

(مرحى لكم دورةُ الأرضِ
لي، دورةُ الحبرِ
مرحى لمن حقنوهُ بمصلِ المعاشِ، فعاشَ، ليهتف :
" عاش "،
لمن ينصبون فخاخَ الشعاراتِ،
                  نلصقها ثم نسقطُ...
كي يصعدَ الجنرالُ إلى مجدهِ،
                         جثةً، جثةً
ويحيي الجموعَ التي أجّلتْ موتها
                         كي تصفّقَ.....)

حقاً تحرق أوراقك أمامنا, تريد شراراً من الصخر ودمع عينيك يمنعها الاشتعال.. لا تلهب النار إلا شعر أهدابك, ثمة سطور تفور ونباح ومطر أسود.. وعين الرقيب وإذن المخبر الذي قد يكون أهلك أو رفيقك, ولكنك أضعت عبود بين زحام الكلام, لم تزل أغاني النصر تهزج رغم أنف أحذية الجند التي ألصقوها فوق هاماتنا ومساحات التراب التي فرت من وطني تحمل أخبارها.. لم نزل نحتفل بالانتصار على باعة الحمص المسلوق والبيض المقلي بالـ ... ومفرزة الإعدام تفتش في شعرنا لم تزل طائراتنا تحلق فوق نصف سماء الوطن, ولا زلنا نضع الحناء فوق كفوف العروس وفي أرجلنا اليابسة.. لم تزل أحلامنا نفسرها عند أبن سيرين وفي خطوط اليدين وعند انحناءات بقايا القهوة في فنجان أكثر يباسا من أرواحنا  :

(من يسرق أحلامي في الليل إذن يا عبود؟)

إذن عدنا للسؤال عن مفتتح لصباح حزين فقد سرقوا كل أحلامنا دفعة واحدة وبتنا بلا رؤى ولا فرح غائب.. مطر من نفط وسنين تذوب.. كملح بماء.. كزيت خفيف يشح علينا في الليل.. إذن عدت لنفس السؤال وتلح في غمرة النوم في الظلمة التي فقدت حسها وأرقنا طولها وصمتها.

(لو أملك وقتاً لدلفت إلى المكتبة الوطنية أستعرض أسماء الكتب المبلوعة في كرش رقيب المطبوعات... لماذا قص رقيب الشعر سمائي الأولى)
(كيف تغيرت الدنيا يا عبود؟)

وتسألنا هل نضب الزيت؟ لا قنديل لدينا ولا شمعة ذابلة فبقاياها ألصقناها فوق قطعة سرجين ودلقناها على صفحة الماء ترقص, تنساب كما القطة الغافية تراقص هفهفات الرياح وتقتنص اللحظة الغافية, نامت كل طيور المساء.. لم تزل نخلتنا ساهرة لكن دنيانا لم تزل مثلما كانت ذابلة كالسعف الذي يكلل رأس النخيل.

(فأمسكتُ بقلبي خوفاً أن تطمرَهُ جثثُ الكلماتِ المصفرّةِ. قلتُ لأعبرَ جسرَ الشهداءِ ( بلادي ما أكثر فيك الشهداء )

(... قال الدكتاتورُ الحامضُ : كلّ جماجمِ شعبي لا تكفي كي أصنعَ عرشاً أبدياً لطموحي، ومضى بعساكرهِ يفتحُ آفاقاً أخرى)

إذا كان العرش الحامض في زحمة عمرك فلدينا زمن مر يأكل كل العمر ويمسح شفتيه ثم يمضي يبحث عن عمر آخر.... ليست خيبتنا ولا خفقات أرواحنا الذابلة ولا غصات ليلنا الغارق في بحر الحزن... من أين سندري أن هذي المرارة أكثر ذائقة من ارتداد حموضة ثغر لأيامنا التي ذهبت.. هل تكتب فوق ورق الورد الناعس؟؟ ولكن..

(أبول على درس التاريخ. لماذا نسي التاتار مدافعهم في بغداد؟)

ونحن نرى أطيافاً لفطائس تطفو وأخرى تنشر جيفتها وسط الشارع وحفر تمتلئ بوجوه صامتة صفراء كما وطني.. وبقايا دم متيبس يتكسر بالحك وتبقى رائحة الروث الوطني تملأ أنفاسنا.

(أنا الطبل كن ضاربي والمدائح كن داهني لينزلق الآخرون إليك)

نحن معك وسننزلق إليك لكن صوت الراجمات يبعث في أرواحنا القشعريرة والخوف  يسلب منا النعاس, وحين تبزغ شمس الصباح معجونة بالغبار, نسبل أعيننا ويملأ الهواء أجوافنا المالحة.
نحن معك نريد العبور إلى ضفة أخرى.. الماء يغسل النصف منا.. انه الأسفل لكننا لم نسمع صوت المراكب ولا حشرجات النواعير ولا أهزوجة من بعيد فنصرخ من أنت؟؟

(والجنرالُ بعزلتهِ،
يقبلُ السفراءُ ويمضون،
       تأتي العشائرُ،
           تأتي الوفودُ،
             الجنودُ التي تتبخرُ أسماؤهم ( صانعاً من بساطيرهم شاشةً : يتطلعُ منها إلى شعبهِ يأمرُ المخرجَ الكثَّ أن يبدأَ البثََّ )

لماذا تركت فوانيسك في اللجة.. إني رأيت رؤى لا دكان يقفل ولا بائع يقف, بشر تشتري وتضع النقد في كفة الميزان, لمحت (علي) (6) في لحظات الوضوء النقية قبيل الفجر عند مدخل المسجد لم يكن يحمل سجادة للصلاة, معفرة جبهته بالتراب, كان المؤذن يؤذن بشهادة غير شهادتنا, لم تكن ثمة سيوف بجانبهم ولكتائب من الحرس الوطني , تتســـع عيوني حينما يملأني الضوء, هذا الغفاري (7) يناجي الرب شاخص بأبصاره نحوه.. يتحدث كثيراً كثيراً بكلام ليس مثل الكلام.. وأين فوانيسك الخافتة تنير لنا الدرب فالظلام يعم النفوس والكلام رأسمالنا.

(صحت عبود لا تلتفت فالبنادق تفتح سيقانها)

(والجنرال بعزلته يرقب البحر – من شرفة القصر – يقطر في ذهنه سفناً أغرقتها العواصف من ألف عام)

(كلما غاب لي صاحب كنت أمحو وراء خطاه الحنين وأنسى صباح المنافي البعيدة)

ونأتيك من سرة الليل خفاقاً, نلوذ بأشعارك الهازئة بسيجار الجنرال, أين أخفيت الفوارز والأقواس.. أين تخفي جراحك؟ كيف كنت تراوغ حينما يقودك بغل فوق – كردمند – (8) أو في الجريدة؟ كيف تسأل عن عبود وأنت تخفي عنا أماكنه وقصائده؟

(ثمة من يفتح الباب في عجل ثم يلقون عبود ما بيننا كومة من أنين وجلد)
                  
(في النصِ كانَ المؤرخُ يدخلُ من ثقبِ إبرتهِ جَمَلاً أعرجاً كلما صاحَ فيه الخليفةُ : أين وصلتَ بتدوين سيرتنا قالَ ما قالهُ المتنبي سوى الرومِ خلفكَ رومٌ وما خلفَ تأريخنا حرجٌ، فأن نسي المستعين ببغداد دفعَ رواتبِ حراسهِ أكلوهُ وخرّوه في الطرقاتِ. ومستنصرٍ باسمه أم عليه سيحكمُ في الأرضِ ستين عاماً [ إلهي، أُبتلــينا بهذي المــلوكِ، التي لا تقومُ من العرشِ إلاّ لتقضيَ حاجاتها ]...)

ويبقى الكلام زادك والمتاع الذي ليس لك غيره.. ولكن من سيحميك من غضب الخليفة.. الجنرال.. السيف.. والأعور الذي لا يرحم أمه.. من سيشفع لبواطن هذا الكلام أو ما تخفيه تحت العمامة , مواكب العزاء ما عادت تبكي حسيناً فالكلام يخرج عن طوره يصير هتافاً في بساتين بغداد في فضاء القرى في ليالي الجنوب كيف ماتت في أرواحنا القدرة على الحزن والوجع الأدمي ولغز التاريخ الذي حير كل العقول .

(أنزف في قفصي راقصاً, هل من النزف يبتدأ الحب؟ هل دهشتي بدء فلسفتي؟)

وتحاول أن تبعث فينا الدفء بعد أن جمدنا الكلام خوفاً على ألسنتنا من القطع وما تحت من القطع وطرقاتنا من القطع وقطعاتنا التي لم تعود.. وتحاول أن تنشد فوق القبور وتوهمنا انهم كلهم معنا ينتظرون اللحظة الشاردة لكنهم يأكلون أرواحنا وقد أدمنوا الموت حتى استحالوا حجارة فكيف يقومون أيها الشاعر ومتى وعن أي زمان تتحدث وكيف تقوم القيامة قبل أن يأمر الله؟؟.

(يعصرُ عمرَ الجماهيرِ في كأسهِ الذهبيةِ، يكرعُ منتشياً نصـــفها ويخبئ نصــفاً بثلاجةِ الانقلابات ( يحدجهُ أبنُهُ من خلالِ عقاربِ أيامِهِ المسرعاتِ. يقيسُ التضاريسَ في وجههِ، ثم يطرحُ من عمرهِ هرمَ الجنرالِ البطيءَ، فيكسرُ مرآتَهُ يائساً )

هذا زمان لم تكن أبراجنا قد عرفته! ماذا يخبئ لنا هذا الزمان المرير؟ إلى أين يمشي بنا ونحن نخبئ رؤوسنا عما يدور بأزقة بغداد أو بين القبور.. أو حين تعزف الأناشيد فوق جثث القتلى حين يمر عليها السلطان مستعرضا .. جنده يسحقون الصدور.. الرؤوس بأقدامهم وتنطفئ الشمس عنا.. من يعيد الشمس قبل المغيب؟ أو تستعيد بابل طهارتها للصلاة ، أو يستعيد الزعفران عبق الرائحة واصفرار الجسد .
ما عاد يسمعنا الاله فالشر فينا يعاقبنا حين يسلط علينا من لا يرحمنا ولا يرحم أرحامنا ثم يحرمنا من رحمته الواسعة.

( لي كلُّ هذا الخراب الذي يتمددُ تحت قميصي وأضحكُ للعابرين أمام المطاراتِ. كلُّ دخان القنابل في رئتي وأقولُ : سلاماً هواء بلادي العليل [ أشيرُ لعبود، خلفَ الحديدِ المشبّكِ وهو يشيرُ لقنينةِ البولِ:
قد طفحَ الكيلُ.... ]..)

(اقرأوا بي رسائلَ من غرقوا....  [ آه ما بالهمْ كلما ضيّعوا صاحباً، تبعتهُ المراثي إلى قبرهِ...
قلتُ : لا تندبوني .. يجرّحني صوتُ نادبةٍ، لا تحيضُ.
ولا تندبوا عمرَ عبود،
خشيةَ أن تفزعوا القبّرات على قبرهِ..... ]....)

نلملم خلفك كل الحروف التي خلفتها الكتابات والكلمات المشطوبة.. نلملم أبياتاً غير مدوزنة ولا أخذت شكلها في  السجع غير أنها كانت خالية من زحاف ،  نمضي بها نزرعها عند حافة النهر نقول لعل.. لعل لنا حظ أن نأكل أثمارها قبل أن تتلقطها مناقير النوارس أو تغتالها الطلقات عند بدء  منع التجول .

( هل أثمرتْ عند نافذتي شجْرةُ البرتقالْ
...............................
أعينوا الغريبَ على حملهِ أيها العابرون، فقد نهشَ الحزنُ من لحمِ كتفي، ومالْ      
حنيني بوسعِ البلادِ فكيفَ سأحملُهُ، وهمومُ المنافي ثقالْ
إلى أين يمضي بأحزانهِ، المتنبي ؟
وعشرون كافور فوق عروشهمو، يحلبون قوافيهِ - ليلَ نهارَ - ولا يتركونَ له غيرَ ريحِ السؤالْ )

نتلصص من خلف جدران تفصلنا عنك غير أن دموعاً بحجم البلاد تكاد تعكر رؤيانا والوضوح, جدار من الدمع بحجم السنين العجاف.. يبس الدمع منا غير أنّا لم نعد نعرف أن في ملوحة دموعنا طعم هذا الوطن ، كيف طعم بقية أوطان أهل الأرض ؟؟ , عناكب نسجت أبياتها فوق أهدابنا ونلملم أبيات أخرى تتسلل من محبرة الشعر فوق شفاه الأطفال المحرومين من الآباء المخصيين أو المسحوقين تحت عجلة أسنان الجنرال ونرفع يافطة بالخط الكوفي تقول –العدل أساس الملك.

( تمنيتُ بأن أخرجَ رأسي لأرى الصحوَ الممتدَ... تمنيتُ بأن أخرجَ قلبي من معطفهِ الخاكي وأريهِ بلادي - ما صنعتْ أسنانُ السرفاتِ بها - لِمَ لمْ تخلقْ للموتِ عيوناً، يا ربي(

( سلاماً يا شطَ الكوفةِ، يا نزقَ الصبيةِ يا ما خبأتُ الدشداشةَ، بين غصونِ الصفصافِ، ويا ما سرقوها، فلبستُ سياطَ أبي، ورجعتُ إلى البيتِ. فماذا ألبسُ لو سرقَ القناصُ ثيابَ العمرِ )

أمسح دموعك فما عادت لنا ذاكرة بعد أن ضيعتنا السنين.. لا أهل لنا ولا أحباب فالعنق المهزول صار رقماً فحسب.. لا تحسب للأيام حساباً.

( ياربي ما أتفهه عمر الإنسان بهذا الشرق الداعر, من باب المسلخ حتى باب المخفر)

ولكن أين عبود؟ ما عاد يهمك الجواب ماذا صنع الحجاج (9) برؤوس أجدادك اليانعة ولماذا يطول الليل فلا ينقضي؟؟ وماذا فعل الزمن الأغبر بهذا العرق الزحلاوي حتى يصبح أسود مثل الليل يا والويل, كل السنابل ترتفع سوى سنابلنا خاوية.. (أمهم هاوية) نبحث عن أعمارنا.. أولادنا.. أشجارنا.. عبود يجلس تحت الشمس يقضي حاجاته.. الاقتصادية.

( مرت بكَ  المركباتُ الأنيقةُ، أسمالُُُُُُ جان، طفولاتنا في البساتينِ، بيضُ السلاحفِ ، شامبو الصرائفِ، مرّتْ مشا حيف أسلافنا، مرَّ عبدُ الكريم على نهرِ دجلة يرنو لما سيجيءُ من الدمِ والطمي، مرَّ بي النفّريُّ وأدخلني سمَّ إبرتهِ ثم أوقفني بين ضديهِ، مرَّ الرصافيُّ في عنقهِ بسطةُ التتنِ)

(عبودُ قال: الرجالُ الأنيقون يمتلكون النساءَ : مفاتيحَ هذي البلاد وأعناقنا المائلةْ )

هو الطين الذي لم يزل عالقاً حين تعبر شط الفرات.. تعصره بكل أصابع يمناك وتلوك منه الكلام وتمسح بقايا الحروف فوق وجه الجريدة يطش الكلام على أعمدة مثل حفلات بطيئة،  هو الطين الذي يلطخ بعض الجباه الفقيرة ويطلي اليدين ووجوه البيوت وسطوحها  في القرى النائية ، هو الطين نفسه الذي يغلف كل الكلام ودروب أعمارنا  .

( عبود قال الليالي لهم والنهار لنا...)
( عبود قال الليالي لهم والنهار لهم )...
( ثم غاب )

أيها القرمطي الذي لا يملك حتى السلاح وهذي القصائد.. وتنادي بمشاعة الحرف وتخط لنا أحرفاً للقضية.. البكاء مشاع لكل البشر.. أيها القرمطي لو أخذت شفاهنا اليابسة على عجل تعلقها فوق حدود الوطن تمائم أو أيقونات دافعا عنه الحسد وشر الشياطين أو حرزاً يقي الجند الراحلين من لجة الموت إلى موت آخر غيره .

( أقبلَ الحرسُ الآنَ يستجوبون رفيقي الذي ابتلَّ بنطا له ليقرَّ عليَّ، وعما قليل سيأتونني.. ما الذي سأقولُ لهم كلما رنَّ سوطٌ على جلدِ قلبي ، رقصتُ من الألمِ المرِّ أصرخُ : يا وطني ]
والمحقّقُ يشتمني غاضباً : أيها الكلبُ قلْ أيَّ شيءٍ سواه...)

وتحمل صراخك ملء يديك وتقذفه من نافذة في الجريدة, ويبقى حبر الصراخ يلطخ كفيك فتفركها غير أن السخام يلتصق في باطن الكف.. وفيم الغضب وأنت أصبحت صامتاً مثل حبر الجريدة .. شاحذاً مثل مقص الرقيب.. باهتاً مثل ظل الشموع. رأيناك حائراً عند درب المعبد البابلي تلوذ بعشتار حيناً وبأهلنا في الكفل (10) تارة أخرى, والطريق إلى كر بلاء لم تزل غير سالكة  غير أن الرصاص طاش فاحدث ثقباً بقلبي كما ثقبت غرفة مسلم بن عقيل بالقذائف  وهاني بن عروة بأطلاقة دبابة وطنية .

(أكفرُ بالثائرين يبيعون أنقاضَ ثوراتهم بالمزاداتِ
  أكفرُ بالمتشاعرِ، بوق المديحِ، بسوقِ المزاداتِ
    أكفر بالعاشقين يكيلون أشواقَهم بالملاعقِ أو بالمزاداتِ
      أكفر بالعمرِ تحملنا ريحُهُ للمزا بل أو للمعاقلِ أو للمزاداتِ
        أكفرُ بالنادبين أمامَ طلولِ التواريخِ يبكون عصرَ المزاداتِ
أكفر،
أكفرُ، أكفرُ.........
هذي اللحى المتدلاةُ لا تسترُ العريَ،
هذي القصائدُ لا تسكتُ الجوعَ،
هذي السحائبُ لا تمسحُ الهمَّ،
هذي الكؤوسُ الموشّاةُ بالنصرِ لا تغسلُ الدمَ..)

نافذة تفتح هذه الكلمات.. الأحرف التي لم تنقط ولافرقتها الفوارز .. نافذة في عباءات أمهاتنا, في القلوب التي ما رقصت فرحاً وما رفعت رأسها للقمر.. نافذة في نقاط الحدود.. نافذة في صدر عبود نافذة في القلب كما في ثقوب القصيدة ، كوة في جدار الروح فهل تعبر منها أم يحيرك الطريق والزمان أليهــا؟.

( لكني بعد الكأسِ العاشرِ، أطفو منكسرَ العينين على رغوةِ خيباتِ التأريخ، بكأسي فأرى:
أعناقاً، كالبصلِ اليانعِ في أسواقِ الكوفةِ
تنتظرُ القطفَ )

( اخترقتْ صوتي اطلاقةُ رشاشٍ طائشةٌ، فانثقبَ البيتُ العاشرُ، واختضبتْ كفُّ صديقي بنَزيفي..)

( والجنرالُ بعزلتِهِ،
في المفاقسِ قافاً على البيضِ، منتفخَ الريشِ. حتى إذا فقـــسَ الشعبُ من تحتهِ ، ورأى للرعيةِ تخرجُ زاغبةً للشوارع
وهي تكأكيءُ...
يضحكُ منتشياً للقطيعِ،
ينقّرُ حباتِ نعمتهِ، في مراعي البلادِ ،
ويرفعُ أعرافَهُ، ليسبّحَ في حمدهِ..
يرفعُ البيطريُّ خلاصةَ تقريرهِ، كلَّ شهرٍ                                
- لقد سمنَ الشعبُ، يا سيدي                                      
كلما صاحَ ديكٌ تولاهُ جندُ المطابخ )

لم نزل بانتظار الطيور الأبابيل أو مزنة من سماء الإله أو بريقاً يعيد عقارب أيامنا  أو نبالاً  تخترق عرش قارون أو كوكبا يسقط فوق رأس المحقق.. نحن نحلم وأحلامنا رأسمالنا لا تقل أنها أضغاث أحلام.. أو ما يتمناه المفلسين ،   لقد تعاهدنا على الرمل أن نكتب الاتفاق فلم يصمد حينما وصل الماء ولا النفط صان لنا عهدنا فحفظناه عن ظهر قلب .

(أمسكتُ عبودَ يهذي بحمّاهُ في الركنِ :
أين اختفى ؟
فأشارَ إلى ماءِ إبريقهِ، ساكباً فوق وجهي)

أنت كمن يحاول أن يظفربكفيه ماء المطر أو يجعل الكلمات تدخل في المرآة المعلقة فوق جدران المقاهي, من قال لك أن حسن عجمي تم تسفيره عبر الحدود وأن كعك السيد ما عاد يحمل تلك النكهة ولا الاسم نفسه , وأزيل المبغى الوطني في الميدان وتناثرن بغايانا دمامل في الروح وعطن في القلب دخلن في جسد المدينة دون وجوه ودون هوية .  

( فوق سطوحِ المنازلْ
    كانتْ تنوحُ سماءُ الأصيلِ
          مثقبةً، برصاصِ الحروبْ
وفوق سطوحِ المعاملْ
    كانت تلوحُ عثوقُ النخيلِ
        مضرجةً، بانكسارِ الغروبْ )

( قيل جاءوا بتابوتهِ لُفَّ بالعلمِ الوطنيِّ  
- عبود ؟
- لا..
- أخوهُ ؟
- ..........
- وعبود أين ؟
-  ...............
.........................
عبودُ في السجنِ يركلهُ الحارسُ الفظُّ)

وملأت جماجمنا وحيطان مدارسنا بعبودك هذا.. تهذي في نومك عن عبود وتدعو ليلاً لعبود.. تسأل كل نسمة عابرة أو ورقة ذابلة.. ثبرت الدنيا بعبودك هذا فهل هو رمز أم  ، هو من تنتظر؟ أم أنك تحاول أن تلتف على مقص الرقيب بتقيك هذا؟

( لي وطن ضيعته الحروب، ولي امرأة شتّتها الدروب، ولي حسرة في الرياح تلوب)

(أريدُ من الله موتاً نظيفاً
وداليةً فوق قبري.
أشدُّ الأسى وتراً فترنُّ الرياحُ ،
           ....... ولم أكترثْ
ما الذي سوفَ يعني القتيلَ المسجّى على الأرضِ شكلُ المسدسِ
مَنْ حضروا لجنازتِهِ ؟
ما الذي سوف يعنيهِ لونُ الأكاليلِ [ .. عبود خطبوا له مَرَةْ..... )

أسمع زفيراً تسيح حرارته كل حروف القصيدة.. وأرى وجوه طمرت حالها في الرمال وأجسادها واقفة.. تخرج الكلمات من فوهة السبطانة مثل انهمار المطر لأن زيتها وطني ولأن الطلقات لم تزل طازجة.. عبرت جثتي فاعتدلت قامتي لكن رأسي لم يزل غاطساً وأنا أبسمل بالمعوذات أن تمر الليالي والنهارات وكل العمر دون أن أفرك دم أخوتي المتيبس فوق قمصانهم.. يا دماء الحسين التي اختلطت بتراب الغاضرية لتسقي بساتيننا اليابسة وغربتنا البائسة.. يا دماء الحسين التي تلاحقنا عند خط القطب وفي لحظة الأنجماد وفي حركات المياه أو جناح الطيور التي لا تطير غير آبهة بنا ، يا دماء الحسين كفي عن اللون حتى نكف عن الندب.
وتسأل عن جنائزنا وأجياف أخوتنا في العراء اعتراها السواد وعمَّ التفسخ والاخضرار, وصوت الدفوف لم يزل في مواكب عرس الشهيد.. صوانٍ وشمع ومبخرة وسعف نخيل زغاريد مغلفة بالبكاء وصبية يحنون أكفهم.. أي حزن نبيل يغلف جدران قلبي, أي حزن بحجم البحار يبرقعني.. لا ترفع أصابعك الخمسة يا ابن الصائغ, نحن لا نخشى الجثث المتفسخة لكنا, نخشى الدود الذي تحتها, الدود الذي ينخر الروح ،  التقارير التي تعادل أعمارنا.. ووكلاء الحكومة. لا تنشغل بالقصيدة فمن يسمع أبياتها ما دام فمك مملوء بالرمل ، وتحت هذا الرمل مدفونة كل الرؤوس؟.
النخل ما عاد يزهو على جنبات الفرات ولا رقص السعف ولا مالت الأعثاق نحو الغروب.

( يسحبُ عبودُ أذني إلى فمه : حين تخرجُ، يا صاحبي، لا تسرْ مع مومس، أو شرطيٍّ، بدربٍ، وإنْ ضاقَ ) قدْ يصبحُ السمُّ ترياقَ، لكنَّهُ لن يُذاقَ. )

هل قرأت المناشير؟ لقد قطعت لحمنا بأسنانها العاهرة.. لقد ضاقت بنا السبل وتقطعت فقمنا بإلصاقها على جدران أزقتنا التي لم يصلها الضياء ولكن وصلتها القذائف والركل بالأحذية ومنع التجول عند المساء .

(قلت: شوارع بغداد يغسلها الضوء والحافلات فمن يغسل الآن جدران روحي من ذكريات الذين مضوا ودخان الفتيلة)

( أشتم كل القواد ين. يجرجرني الشرطي أتشتمنا يا ابن الكلبة؟.. )

لم يزل الورق المطلي بزيت يغلف قذائف العتاد.. لم تزل كلماتك منقوشة على طاولة مقهى ريش أو الفيشاوي أو اللاشوب أو مقهى عجاج والبرلمان أو حسن عجمي(11).. لم تزل كلماتك تفقس في قدور الطعام تنتفض حينما يضعوها على المائدة.. ترقص أمام شفاهنا ثم ننطق بها.. عبود عند بالوعة البيت يبقى وحيداً ولكن ظله على المائدة .  من دنس طهارة الكلمات التي كانت قد توظأت وجهزت نفسها للصلاة  فأبطل كل الوضوء؟؟.

(عبود هل عمرنا قبرنا؟)

ندور بمبخرة تضج بدخان أحلامنا الذابلة.. ندور بمبخرة تعج بريح مثل ريح القنابل ما طردت أشرارنا ولكنها قطعت أنفاسنا ثم قطعت نسلنا.. ونعلق تعويذة بسبع مخارم لكنها ما منعت سلطاننا من قتل أحلامنا  .   ندور.. ندور والدخان الذي يكتم النفس ويعمي البصائر ويحرق الفم كأنه الفلفل الأسود.

(أشير لمدخنةٍ تنفخ السحب عاثرة تلك أحلامنا بددّ قبل أن ينفذ الخيط حاك له كفناً وتمدد في كومة النسج)....

هل رأيت العصافير كيف تسخر من حبال المشانق؟ وتطلق ذر وقها فوق جداريات الخليفة؟ هل رأيت العصافير تهرب من ساحة الحرب دون أن يستطيعوا أن يكتبوا عنوانها فوق التوابيت ؟ هل رأيت شخب أنفاس أخوتنا المتدلين من المشنقة..

( لِمَ يا أمي بعتِ دفاتر إنشائي للقصاب. بكيت على شيش اللحم المشوي ولم أقضم – رغم طفولة جوعي غير أظافر يتمي).
ولكن ماذا رأيت بعد هذا يا أبن الصائغ؟؟.. تحدث فالدار أمان ليس سوانا مع الرب هل تشك بـــنا؟؟.

(عشرة آلاف كتاب بعتها بالجملة للأكشاك، وأخرى عند الأصحاب، وأخرى في التنور.. وما زلنا ننتظر الأرزاق المقطوعة منذ... تحسست نقودي لا شئ سوى أوراق قصائد لا تملأ أمعاء تتلوى).

( مجنوناً أتعقبُ آثارَ غر وبك، ناعمةَ القدمين على الرملِ، فتطمركِ الريحُ ! يقهقهُ مدُّ البحرِ : وداعاً... لاشيء سيبقى فوق الرملِ ).

أهمس ولكن أين ضيعت عبود وأزيز الرصاص فوق رأسك لم يتوقف.. كيف أضعت الرقم السري بديلاً عن أسمك.. أين وضعت البسطال؟؟ أين فرت منك الأيام وليالي الكوفة والعشب المطبوع على جسدك الناحل ؟.أين وضعت روحــك التي ضيعت في زحمة العــمر رفـــيقك علي الرماحي (12) وأين ستلقى قبرك بعد حريق السفائن والأشرعة؟؟.

( كان صباحُ الوطنِ المستيقظُ للتوِ وراءَ التلةِ يفركُ عينيهِ. فركتُ بإصبع قلبي، عيني المغمضتين. وصحتُ : صباحَ الخيرِ، بلادي يا ضوءَ اللهِ، لماذا يكرهك القناصُ، لماذا يكرهكَ العملاءُ، لماذا يكرهكَ الدكتاتورُ، .. سلاماً يا فجرَ بلادي، فأتلقت روحي فوق الماءِ، رأيتُ : على الجسرِ شموعَ الشعرِ تضيءُ تضيءُ تضيءُ)

نراك تبتعد كلما اقتربنا, نخفق كتل الماء نريد اقترابك, كلماتك تطفو على السطح لكنها تبتعد باتجاه العميق.. لجة البحر تأخذها والكلام يجر الكلام.. نستمع للشجن الصادر من دفق الموج نضع يدنا خلف آذاننا..  نلتصق بصفحات الماء نرقب الموجة القادمة.. انها مســــألة وقت كما قال كاليجولا (13).

(يا دارَ عبود هدّمها القصفُ. كيف استدلَّ إليكِ اليمامُ ولمْ أستدلَّ بدمعي.
غير أني تذكرتُ حين اختلفنا على مقطعٍ من قصيدة " يا دارَ مية "،
أوقفتني فجأةً
وأشرتَ لفرخِ حمامٍ
             تشبّثَ في غصن شباككَ المتطاولِ.
كانتْ دماهُ الحبيسةُ ترسمُ شكلَ ارتجافِ الرصاصةِ في جنحهِ.
فحملناهُ، نبضاً قتيلاً إلى دارةِ الحوشِ.
يا دارَ عبود دارَ بنا الفلْكُ)

بانت لك الآن كل ملامح عبود وعرفت كيف مسحوا عن رسمه أذنيه.. ملامحه غائمة لم يعد لعبود أي لسان.. فقد قطعوه حينما كانت يداه مقيدتان إلى الخلف....
طبت مساءً أيها الشاعر الذي لا لغة له غير هذا الكلام ولا مهنة له غير هذا الكلام الذي تخرجه حيناً من تحت إبطيك وحيناً من عتمة تحت قميصك فالأحرف الساخنة مثل رغيف شهي لكنها تبقى شاهدة عليك دليل لأثمك .

(في بيتِ عبود شجْرةُ لوزٍ فقطْ                        
ومكتبةٌ أكلَ العثُّ أطرافها                              
          والديونُ التي تتناسلُ من حولهِ كالقططْ  )

(وأنا هائمٌ في الشوارعِ
أبحثُ في الواجهاتِ عن اللا أحدْ
والوجوِه التي غادرتْ للأبدْ
جسدي علكتهُ الصناديقُ والنسوةُ اللافتاتُ،
سأتركهُ الآن منحشراً خلف طابورِ خبزِ الإعاشةِ يمتدُ.. يمتدُ.. يمـ.. في مدنِ الثلجِ، كنا نحنُّ لشمسِ البلادِ، ونرجفُ أن مرَّ تحت نوافذنا شرطيٌّ . فمَنْ سيهدئ قلبَ الولدْ)

(قالَ المعلمُ : لا تلفظِ الجنرالَ                        
فحراسهُ خلف سبورةِ الدرسِ، ترقبُ خطَ الطباشيرِ، خشيةَ أن يتسلّلَ منه العدو
غير أن البنادقَ لمْ تمهلِ الكلماتِ لكي تتنفسَ، فانفتحتْ فوق سبورةِ الدرسِ عينان مذعورتانِ، تحطُّ عليها الزرازيرُ، عابثةً تتأرجحُ في جثةِ الرجلِ الكهلِ
          ثم تطيرُ ...
                 تطيرُ )...

هل اكتملت دورة كل هذا الكلام حتى تستعيد أنفاسها اللاهثة.. ؟؟ من أين تقفيت أسم عبود عند اختلاط الحروف واستلالك لها  في الظلام ..؟؟  ولكن أين عبود؟

(يا صبايا المحاجير (14), شيعن عبود, شيعنه بالزغاريد)
نعم شيعن عبود ولكن بصمت فقد فقدت نسوتنا رجولتهن بعد فقد اللسان .. طلع الحرمل اليابس في عنب المحاجير وعم القصب.. داست السر فات الثقيلة كل طريق المحاجيرأهلك وفتحت طريقا عبر بكارتها وجسدها الغض  انتشرت في التراب الملوحة فانقطع نسل أرحامنا والمآذن خرسى وفي فمنا ملح أجاج يشقق الروح قبل الشفاه ،  بعثرتنا المنافي.. أضاعونا.. ولكن!!

(صديقي في الدكّةِ ما زالَ على قعدتهِ يسألني عن أحوالِ الدنيا.. قلتُ أما يكفيكَ جوابُ الليلِ على أسئلةِ الصبحِ. فلمْ يقنعْ.
قالَ : أريدُ جوابَكَ
قلتُ : نسيتُ فما أسرعَ ما ينسى الإنسانَ..)

ما الذي ظل من أعمارنا وهذا المشيب الذي يربك القلب, هل تعبر البحر إلاّ السفائن, دعني أستعيد نفسي من ارتطام الحروف على شفتي.. تكدست في غرفتي نصوص القصيدة  فأقمت جداراً من الهذيان والاستعارات والكلمات الزائدة.. ثمة شك لا أعرف كيف زرعوه يلازمني فالتفت نحو ظلي أرقبه, وعبود يرقبني من خلف لثامه.

(ليتَ تلكَ القصيدةَ ما طاوعتني وسارتْ معي في طريقِ الرماد الجليلْ
ليت تلكَ البلادَ - معلقةٌ في الجدارِ وراء المفوّضِ)

بي رغبة بأن أستعيد أسئلتي.. أنت لم تحدثني عن عبود والحرب والطريق إلى المقبرة.. والصبر والنصر الذي حل بنا وأجسادنا خاوية ونحن نرفع بيرق النصر الذي ما عاد يعرف لونه.

(- كمْ ساعتكَ الآن ؟          
- منتصفُ الفجرِ ببغداد.........
ورجالُ الآر بي جي خلفَ النخلِ يدكّون قلاعَ الدكتاتورِ ( يفتّشُ بين الأدراجِ عن الحرسِ الخاصِ :
لقد فروا ) فيلوذُ بزاويةِ المرحاضِ..
يموتُ وحيداً مذعوراً..
يسحلُهُ صرصارٌ من ياقتهِ،
            - بين الأنقاضِ -
يخشخشُ بالأوسمةِ الذهبيةِ،
تعتركُ الديدانُ على جثتهِ،
          كاميراتُ الصحفيين،
        تعلّقه فوق الجسرِ أكفُّ الشعبِ الهادرِ
لافتةً لنهايةِ عصرِ الطغيانْ
.................
(.....................

أقول هل جربت موتاً كموتنا؟؟ هل مرت أمام ناظريك عربات الطغاة التي تسحلها الضحايا؟ هل نظفت الحرب أسنانها عند عتبة دارك؟ هل نمت على أرضية التحقيق مجرداً من كل شيء إلا رائحة البول؟ هل تلمست الدم المتيبس فوق لحية والدك الشيخ في أقبية السلطة ؟ هل قرأت نشيدك فوق جثة أخوتك المؤجلة الدفن حتى دفع أجور الطلقات؟ هل لملمت الأثداء المتهدلة من صدر امراءة لا تعرف لم تمت تعريتها في التحقيق ؟  هل تمضي... معنا بعد كل هذا؟

(كلٌّ يغني على ليلهِ....
وأنا في مديريةِ الأمنِ كنتُ أغني على كلِّ ما مرَّ.. ]
حتى إذا أورقَ الفجرُ
      فوق غصونِ المصاطبِ
ودعتني....
        ومضيتَ وحيداً لمنفاكَ
تنشدُ في الريحِ منكسراً مثلَ نايٍّ غريبٍ
- أماناً بلادي التي لن أرى....
.....................
(................

وأنت أبحتَ لي السر, كيف بدأت أولى أبيات القصيدة، في إسطبل بقرية تدعى شيخ أوصال في كردستان وسط هامات البغال وروائح الروث التي تكتم النفس ودبيب الدود المتماوج من بين بقايا الروث المتعفن في ظلمة هذا الإسطبل والصناديق الحبلى بالقذائف ولم تنفعك كل التعاويذ مع ( السيد حرز ) (15) ثم تقفل باباً عليك و تطلق كل الدنيا إلا امرأتك والشعر وتخفي كل ما يشير إليك بهذي الدنيا وتكتب دون وقود غير مكترثا لانفجار القنابل وارتطام الصواريخ وصوت الرصاص  وارتجاج البناية وظلمة شقتك وخوف ( ماجدة  )عليك قبل نفسها وعيون طفليك التي امتلأت بالخوف والأسئلة .. وتكتب لم تعرف أنك ستصبح من سبايا التاريخ والشعر وترحل عن وطن تصير بلا مأوى والليل مظلم ولكن دون ظلام  والأمواج ترتطم وأنت لا زلت تهذي تقابل من تقابل وتلقي القصيد وتنتظر الطعنات ثم السهام بانتظار موتك فالجنرال سيرسل كاتماً للصوت مع الريح لا يراه إلا الراسخون بالشعر والأوبئة ،  يملأ فمك رملاً وأنت تجرجرنا للكلام في المحافل أو في المزا بل.

*     *

هوامش:

1. ماكنة الأعسم: تقع على نهر الكوفة من مراتع الطفولة لدى الشاعر
2. مسلم بن عقيل سفير الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أهل الكوفة وأبن عمه وقد قتل بالكوفة بعد أن خذله الناس.
3. زيد بن علي بن الحسين ثار على الدولة الأموية وصلب على أبواب الكوفة ثم أحرقت جثته ورميت بماء الفرات قبره في العراق بين الحلة والنجف جنوب بغداد .
4. هاني بن عروة وميثم التمار من أصحاب الإمام علي وقد قتلوا زمان الدولة الأموية وقبريهما في النجف الأشرف/ الكوفة
5. الشهيدة البطلة ( سحر أمين منشد)  ولدت بعد القبض عليها بتهمة انتمائها للحزب الشيوعي العراقي وقد ضيعت الأجهزة الأمنية طفلتها  وأعدمت عام 1984وهي تهلهل .
6. إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع) حين يتوجه للصلاة في مسجد الكوفة وقد اغتيل وهو يصلي به من قبل عبد الرحمن بن ملجم .
7. الصحابي  أبو ذر الغفاري
8. جبل في كردستان العراق
9. الحجاج بن يوسف الثقفي والي الكوفة
10. مدينة عراقية تقع بين الكوفة وبابل وتضم قبر النبي ذا الكفل ( ع) .
11. مقهى ريش والفيشاوي  بالقاهرة واللاشوب في الدار البيضاء ومقهى عجاج بدمشق وحسن عجمي ببغداد وجميعها أسماء مقاهي شعبية .
12. علي الرماحي  صديق الشاعر ، تم إعدامه من قبل السلطة الحاكمة في بغداد
13. طاغية روماني مشهور بالطغيان والجنون والشذوذ
14. منطقة زراعية تشتهر بمزارع العنب تقع في منطقة أبي صخير قرب النجف بالعراق.
15. السيد حرز : جندي مخبول كان ينام في الإسطبل مع الشاعر ويصر على إشعال موقد الشاي فوق صناديق العتاد .

ملاحظات:

* نشيد أوروك ملحمة شعرية طويلة يمكن اعتبارها أطول قصيدة في تأريخ الشعر العربي منذ زمن المعلقات ، وقد استغرقت كتابتها 12 عاماً وتصور كل مامر بتاريخ العراق من حضارات وطغاة وحروب، ويمتزج فيها التاريخ بالأسطورة والتراث والسير والفلسفة والدين والجنس، وقد ولدت فكرة القصيدة في إسطبل مهجور في قرية شمال العراق تدعى ( شيخ أوصال ) في منطقة السليمانية حينما كان الشاعر عدنان الصائغ يؤدي الخدمة العسكرية الإجبارية أثناء سنوات الحرب العراقية الإيرانية وتحديدا في العام 1984 .
* قام الفنان غانم حميد بإخراج الجزء الأول من ا لمسرحية عام  1989 وقدمت  على مسرح أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد .
* أعاد الفنان غانم حميد إخراج الجزء الثاني من المــسرحية عام  1993 بعنوان (( الذي ظل في هذيانه يقظا )) على مسرح الرشيد أثناء انعقاد مهرجان المسرح العربي لكن وزارة الأعلام منعتها بعد العرض الأول ولم يسمح بعرضها الا بعد حذف مقاطع كثيرة منها وقد أثارت ضجة واسعة واهتمام لدى الأوساط الثقافية.

زهير كاظم عبود

الكاتب: زهير كاظم عبود
كاتب وصحفي وناقد أدبي وقانوني
عضو أتحاد الكتاب والأدباء  في السويد
كاتب مشارك في جريدة الزمان
قاضي عراقي متقاعد وله مؤلفات عديدة
1- لمحات عن اليزيدية
2- لمحات عن الشبك
3- اليمين في القانون
4- التحقيق الابتدائي وإجراءاته
5- لمحات عن سعيد قزاز
6- ليلة القبض على رئيس الجمهورية – قصص قصيرة
يقيم حالياً في السويد ً بمدينة مالمو الجنوبية


نشر في موقع "عراقيون" 12/5/2004
 
البحث Google Custom Search