أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
عدنان الصائغ يكتب فوق سماء غريبة أشعاراً تجسّد محنة الوطن

زهير كاظم عبود
- السويد -

الغربة تترك سحنتها فوق كلمات قصائد  الشعراء ، تستفزهم وتزيد من هرس أحلامهم وعذابات يقظتهم وتتغلغل بين ثنايا قلوبهم المغلفة بالحزن  ، والغربة النيران التي تحرق كل الأطياف الجميلة فتحيلها هشيماً محترقا مثل الورق اليابس في الذاكرة وجزء من محنة الإنسان في هذا الزمان .
     والغربة تترك أيقاعات مطبوعة داخل الروح فتغمرها بالوحشة حيناً وأحياناً كثيرة تغمرها بالحنين الذي يفعل فعل الشفرات الحادة داخل النفس التي تتطلع دوماً الى سماء الحرية والى فضاء رحب ليس له حدود وخال من الحواجز والمصدات و الخطوط الحمراء فوق تفاصيل الجسد  ، فضاء مطلق يحلق فيه الشعراء دون أجنحة مثل الحمائم البيض بشفافية مثل  رقة الفراشات الملونة ، يمطرون كما تمطر الديمة الوافرة مطراً من الكلمات الدافئة التي نصبغ بها جدران أرواحنا ونبلل بها عطش نفوسنا ونهدهد بها شوقنا الذي طال الى سماء الحرية الملون .
    المدهش في مجموعة الشاعر ( عدنان الصائغ ) – تحت سماء غريبة الذي أعادت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت طباعته في العام  2002 بعد أن كانت الطبعة الأولى قد صدرت عن  دار مواقف عربية – منشورات سعد البزاز - لندن  عام 1994 .
أن نصوص المجموعة  تتجدد مع تجدد المحنة وتحمل بين ثناياها الكثير من الأشارات والخفايا التي يضمنها عدنان الصائغ بين ثنايا النص وبين أشعاره المحلقة وتتداخل في الكلمات الطرية .

"تضيق البلاد
تضيق
تضيق
وتتسع الورقة
البلاد التي نصفها حجر
والبلاد التي دمعها مطر
والبلاد التي ...
تبيع بنيها
اذ جوعتها الحروب
فماذا تبيع أذا جوعتك البلاد
وضاقت بدمعتك الحدقة
................"

لم تزل الكلمات تحلق فوق هام النخيل ورؤوس الضحايا التي تبحث أرواحها وعن قبر يعيد لها بهاء البلاد فتستقر فيها  ،  لم تزل الكلمات تنوح عند سماع صوت العجائز ولثغ الأطفال ورائحة البلاد وعبق الأضرحة والقباب الذهبية التي تسلب اللب ، وأعمارنا  التي ضاعت بين هذه الدروب وضيعت البلاد  فلذات أكبادها ،  لم تزل جاثمة فوق عتبات البيوت العتيقة وعند مفارز الأمن ونقاط التفتيش وشظايا العمر الذي لم يرممه كل هذا الزمان ولا غسلت تعبه كل قيعان المحيطات والأنهر التي لم تجف ، غير أن الكلمات لم تجف بعد .

"السماء التي ظللت أرضنا
والمنافي التي أرخت جرحنا
سأقول لها
كلما طردتني بلاد
وساومني صاحب
أتكأت على صمتي المر ..
أبكي الذي فاتنا"

ويقوم الصائغ بنشر كلمات قصائده فوق حبل الشمس لعلها تصل الوطن في الليل حين ينام الناس وتغمض عين الطيور التي تلتقطها فتعبر اليهم مثلما يعبر اليهم صوت المؤذن فجراً  ، فتصلهم مثل الأحلام التي تتدثر فيها الكلمات المرصوفة في رسائلنا ، تلتصق بعيونهم لا تفارقها فثمة شوق كبير وحلم كبير .
ويتنقل الشاعر الصائغ في قصائدة على امتداد مساحة الطريق الموصل الى عمان  يفكك قصائده التي هربها من بغداد ثم الى العقبة فصنعاء ينشرها في هواء حزين  .

"كلما سقط دكتاتور
من عرش التاريخ ، المرصع بدموعنا
ألتهبت كفاي بالتصفيق
لكنني حالما أعود الى البيت
وأضغط على زر التلفزيون
يندلق دكتاتور أخر"

وعلى امتداد مساحة 38 قصيدة متنوعة تتوزع قصائد عدنان الصائغ يسجل فيها أحلامه وتجلياته وشهادته في الزمن الصعب ، ويرسم تنبؤاته وهذيانه فوق الكلمات التي يكــتبها بخط واضح ونبط كبير ، لعله يستقرء ما سيصير اليه الزمان ، فالكوفة مبتلاة بالمتنبئين وبالمنجمين وبالضحايا والمنفيين أيضاً  ، لعله يريد أن يكتب قصائدة بمداد ماء الفرات بعد أن وجد أن أحبار الدنيا لا تتناسب مع لون كلماته ، ويريد أن يؤكد لنا بشكل جازم أن كل سماء  يفترشها و يكتب تحتها هي سماء غريبة أذ ليس له غير سماء العراق ، العراق الذي قال فيه :

"العراق الذي يبتعد
كلما أتسعت في المنافي خطاه
والعراق الذي يتئد كلما انفتحت نصف نافذة
قلت آه
والعراق الذي يرتعد كلما مر ظل
تخيلت فوهة تترصدني
                       أو متاه
والعراق الذي نفتقد
نصف تاريخه أغان وكحل
ونصف طغاهْ"

كلمات القصائد شفافة يخاف عليها من الانكسار ، يقول الشاعر الكردي شيركو بيكه س أنه شعر أثناء قراءة القصائد أنه يتذوق طعم الرطب ويشم زهور الأهوار ويغمس رأسه في ملتقى النهرين ويسمع دقات قلب الشاعر عدنان الصائغ .
ولكي نسمع معاً دقات قلب الشاعر ونتلمس فجيعتنا وحزننا بين كلماته نصعد معه فوق كلمات القصائد نرحل معا دون أجنحة في سماوات غريبة لعلنا نلمح الوطن من بعيد ولعل الوطن يوميء الينا وهو يستعيد أنفاسه بعد هذا الخراب الطويل .
 
البحث Google Custom Search