أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
تأبط منفى

فاروق يوسف
- الدوحة -

هل تكون السخرية زاد المنفيين بعد أن يكف الحنين عن تغذية حيواتهم بمصله الوهمي؟  فهناك منطقة يتخلخل فيها الهواء هي أشبه بالمنخفض الجوي أثناء الطيران تنشأ ما بين المنفي وحياته، من شأنها أن ترهن الأشياء، كل الأشياء، لخفة تستعصي على التفسير والفهم ولن يكون التعليق عليها إلا من باب تزجية الوقت والتسلية. ولان المنفي إذا كان فنانا أو أديبا يشعر انه يمتلك الأدوات الكفيلة بملأ هذا الفراغ، اقصد اللغة القابلة لان تكون شاهدا على الأقل على الوجود المضطرب في لحظة من لحظات الزمان. يود المنفي ان يقول همسا أو صراخا انه موجود أو كان موجودا في لحظة من لحظات الزمن. يصل صوته أو لا يصل فان استغاثة الغريق في أعماقه تدفعه إلى تخيل طوق نجاة سحري. وليس هناك اشد من اللغة قابلية على صنع عالم سحري، من شأنه ان يتحول تدريجيا في ظل غياب الوطن إلى وطن افتراضي. وهكذا بدلا من ان تعيد اللغة المنفيين الى أوطانهم أو تعيدها إليهم صارت بمثابة أوطانهم. ولقد امتد فضاء المنفى في الشعر العربي من يمن امرؤ القيس الى اندلس المعتمد بن عباد وصولا الى عدنان الصائغ الذي ألف كتابا شعريا بعنوان ( تأبط منفى). وفي هذا العنوان غير دلالة تاريخية وثقافية وشعرية. وقبلها جميعا ما يشير الى المضي قدما في المنفي، المفتوحة أبوابها على مصاريعها. فهناك دائما مشروع شعري اسمه المنفى. هذا المشروع لم يفارق للحظة واحدة مسيرة الحداثة الشعرية العربية. فالشعراء العرب المنفيون كثر والحمد لله. والأوطان الضائعة تفتح الطرق واسعة أمام المنافي ويندر أن تخلو حياة شاعر عربي من لحظة نفي عميقة التأثير. إذا لم تكن تلك الحياة عبارة عن مجموعة من المنافي المتلاحقة. غير أن النقلة التي يحدثها شاعر من نوع عدنان الصائغ تشير إلى تحول عميق في صلة الشاعر بوطنه، هذه الصلة التي هي مزيج من الألم والسخرية. هنا يكون الشعر دواء لداء اسمه الوطن، وليس وسطا تتفاعل فيه تلاقيات الحنين المريرة بكل انعكاساتها السلبية والإيجابية. الشعر لدى الصائغ يلعب دور السد الذي يحول دون فيضان الحنين، بعاطفته المائعة التي تفسد العقل. انه يفتت صخرة لطالما جثمت على الصدور، مقيدة بظلالها قدرة الكائن على اكتشاف مسارب أخرى للحرية.

25-5-2002


* نشر في صحيفة "الحياة" - ع 13541 في 4/1/2003 - ص10 آداب وفنون
 
البحث Google Custom Search