أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
قال عنه نقاده إنه طفل لعبته الكلمات

جواد الحطاب: يحتاج الشعر إلى كبرياء فقدتها أوروبا

حاوره: اموري الرماحي
- بغداد -

جواد الحطاب اسم لشاعر من جيل السبعينيات الشعري في العراق.. هذا الجيل الذي وجد نفسه، شعريا، محاصرا بجيلين في الشعر الجديد: جيل الرواد الذي ما يزال منجزه الشعري حيا وذا تأثير.. وجيل الستينيات الذي حاول التفرّد بما يميزه، رؤية وموقفا شعريا، ومنجزا فنيا..
كانت ولادة الجيل الذي ينتمي اليه الشاعر جواد الحطاب مسبوقة بمنجزات كبيرة، كان على هذا الجيل ان لا يكررها، بل ان يخرج بما يميزه صوتا وموقفا شعريا عنها. كان ذلك أمرا في غاية الصعوبة، لان المنجز أمامه كبير، والخروج عليه ليس بالأمر السهل.
الا ان هذا الجيل <<خرج>>، وكتب، مقدما ما يؤكد اسمه وفي هذا السياق ينتظم جواد الحطاب، شاعرا وشعرا... وفي هذا الحديث معه مكاشفة في أكثر من شيء وقضية.
  • أين أنت اليوم في ما تكتب من الشعر، ومن النثر. أين تجد نفسك متحققا أكثر، ومعبرا عن نفسك كما تريد؟

  • - ذات عبث، انقطعت عن الكتابة لأكثر من سنتين شعرا ونثرا ، كنت أزور الاوراق يوميا، كمن يتفقد قبر حبيبته، فقد أخذتني اللاجدوى لمتاهاتها الشاسعة، لكن وعد الماء المخبوء تحت الصخور بالتدفق لا بد ان يتحقق!
    مرة، بين الحلم واليقظة، رأيت نفسي مرتفعا عن مكاني، مثل من يجلس على نافورة اسطورية، ومثلما يفعل البطل في الرسوم المتحركة (وأنا أدمن رؤيتها)، سحبت في الهواء، ونظرت الى نفسي، وهي في موقعها الاول، فرأيتني أكتب شيئا ما، عندها مسكت أقرب غيمة، وصرخت بها: أنا أسعد انسان في العالم هذا اليوم، فقد بدأت بكتابة قصيدة، هكذا يفعل بي الشعر!
    اما النثر، وقديما قيل، النثر فضيحة الشعراء. فقد سترني الله فيه. نشرت كتابي النثري الاول (انه الوطن.. انه القلب)، واعتبره النقاد حجر الاساس ل<<الكتابة التسجيلية>>، وعدني أحدهم محمد الجزائري همنغواي العرب (وبالتأكيد كان متحمسا).
    كتابي النثري الثاني (يوميات فندق ابن الهيثم).. سيطبع في بغداد، وأظنه سيثير اسئلة كثيرة عن الكتابة في زمن الحرب..
    الشعر والنثر، والداي، وأنا ابنهما المدلل!
    التحايل على الحياة
  • تشيع في عالم الشعر، اليوم، ظاهرتان شعريتان فنيتان، هما قصيدة النثر، والقصيدة العمودية. فبماذا تفسر ذلك؟

  • - الشكل الشعري وعاء ليس الا، والاحتكام الحقيقي: كمية الشعر المسكوبة فيه، في القصيدة (الاصولية) او.. في قصيدة النثر. باعتقادي، ان قصيدة <<التفعيلة>> التي ظهرت مع <<الرواد>> لم تأخذ حقها كما ينبغي، وان هناك مساحات شاسعة لم تستكشف جيدا، ولم يجر التنقيب فيها لحد الآن!.
    قصيدة (الشطرين) انتهت بانتهاء آخر عمالقتها الجواهري، وال(المغذي) المزروع في ذراعها، ذو EXP منته، والانعاش الذي يقوم به هذا الشاعر او ذاك، هو نفخ في الرماد، لان، حتى الصدمات الكهربائة، لا يمكن ان تجعل قلبها ينبض من جديد الا بمعجزة، فقد تسمم الجسد بتسطيح المعنى، والاستعارات الميتة، والتشابيه المستهلكة!!
    الجواهري حمل معه الى قبره كنوزها، ومحاولة تزويره مكشوفة يمجّها الذوق الفني، السليم.
    واذا كان الحكم على العمودي ممكنا، بسبب المقارنة بين الارث والمنجز، فانه مع قصيدة النثر يواجه صعوبات جمة، فالوافد الجديد غير واضح الملامح، ولا يملك هوية تعريفية، فضلا عن <<استنساخه>> للبيئة التي خرج منها التجربة الغربية وعوالمها لدى اغلب من ينتهجوه. وعلى اية حال، السماء واسعة، ولا يرود تخومها الا النسر وليس طير الماء!
  • هناك من يقول، ان الشعر يتراجع اليوم.. فماذا تقول أنت؟

  • - الله كلمة، ولم يكن معادلة رياضية. الحب كذلك، والانسان ككل. في الرقم الطينية المكتشفة بآثار وادي الرافدين، تبين ان الشعر هو أول المدونات بالكتابة المسمارية، وملحمة كلكامش شاهد على ذلك.
    إذن، من الألفية الثالثة قبل الميلاد، الى الالفية الثالثة بعده، كم مرت حضارات، واكتشافات، وكشوفات.. كم ارتقى العلم.. كم من إثبات ونفي وجدل، اضطرت اليه وخاضت فيه البشرية؟!
    والحلم الانساني في كينونيته العليا، ولم يحتج يوما لتسويغ وجوده، كان الحلم (الشعر) هو من يجوهر الفكر والفعل ايضا، ويرفد الحاجات النفسية والجمالية للانسان.
    وفي (ألقبتاريخ)، قدم لنا الشعر <<إيزيس>> التي تجمع أشلاء من تحب ليبعث ثانية، وانساننا المعاصر، كائن مبعثر، وعلى الشعر و الشعر فقط مسؤولية تجميعه، وتزويده بالأمل، وهو يجوب الطرق السرية المتشعبة بحثا عن الحقيقة.
    يوم اجتاحت فرنسا، أحداث الطلاب في 1968 (فرنسا العبث، والعدم، والوجودية والسريالية) امتلأت الحيطان بالقصائد وليس بغيرها. الا يدعو هذا الامر للزهو؟، بالنسبة لي، أضع رهاني على الشعر، وأنام مطمئنا.
  • ويشير نقاد آخرون، الى ان هذا التراجع، مثلا، يشمل الشعر في العالم. هل تجد الاسباب واحدة، عندنا وعندهم، مثلا؟

  • - أظنك تقصد ب(العالم) أوروبا؟
    لان كل شعوب العالم الثالث، التي تدافع عن وجودها، وعن كينونتها الحضارية، تدافع بالشعر، بصفته السلاح العفوي، المجرّب، الاكثر فاعلية، والذي لا يقودك الايمان به الى عبودية، او ارتباط بأحلاف ومنظمات إرهابية.
    في عموم حضارات الشرق (الروحية) كان هناك علو للكلمة، الماديات بدأت مع بدء الحضارة الاوروبية التي يؤرخ لها باكتشاف اميركا (1492) وفي تذكر بسيط، سيوقفنا ميكافيلي (1513) وفلسفته الوصولية، بالمكر والقتل والابتزاز، والتي صبغت سياسة أوروبا والى الآن..
    بعده بأكثر من نصف قرن يظهر لنا <<فاوستس>> وبيع الروح الى الشيطان، وبعده بأكثر من نصف قرن ايضا.. يصدر توماس هوبز انجيله السياسي الذي عممته أوروبا على مؤسساتها الفكرية والسياسية، والذي يكرّس المادة كأله، ويهاجم الروح والشعر والمخيلة.
    الشعر يحتاج الى آماد من الكبرياء والكرامة، وأوروبا وضعته بأصغر بقعة، فقد تناقلته كف دارون (أصل الانسان.. قرد) وقذفته الى كف فرويد (عوالم الانسان في فرجه) ليرسو على كف ماركس (معدة الانسان.. نضاله)!!
    لائذ بطفولتي
    ألا يتراجع الشعر في حاضنة كهذه؟
    عندنا؟ أحيلك الى البصرة فقط لترى كيف ينضج الشعراء، كما تنضج عذوق التمر تحت الشمس. وكيف تمتد الليالي التي تتعاطاه الى الفجر؟
  • وفي ضوء الواقع الشعري العربي الحاضر، هناك من يرى ان العصر القادم، هو عصر نهاية الشعر.. ماذا تقول أنت كشاعر؟

  • - للإثارة الصحفية حصة في هذا الادعاء، فغالبا ما تتعكز الصفحات الأدبية على محور ما، فتختار موت الشعر او اندثاره او هجوم <<السرديات>> عليه، وتبدأ بالترويج.
    لا أريد ان أكون (كليب ابن وائل) حامي حمى الشعر العربي، لكنني أدعو الى جرد أسماء الشعراء في السجلات الرسمية للاتحادات والمنظمات الأدبية لمعرفة العدد، وكم تنامى قياسا بالأجيال السابقة؟
    لننظر برؤية منفتحة ومنحازة لنصف الكوب المملوء، الى الدراسات والأطاريح الجامعية التي تتابع منسوب الشعر والشعراء.. وندق الخشب. أعرف، وأتفق مع من يقول: ما كل ما يكتب شعرا. وليس كل من أدرج اسمه في سجل اتحاد الأدباء، شاعر.. لكن الشعر ليس الكتابة وحدها.. الشعر سلوك حياة، وحضارة، وموقف جمالي، وأتكيت، ورقيّ، وانتماء.. الشعر هو اللغة في أوج تألقها، ولكي نتوازن كبشر علينا ان نزيد حصة العالم من الشعر، ولو كان لي الأمر، لوزعت قصائد الشعراء مع الطعام اليومي!
    بالنسبة لهجوم السرديات، فسأستعير قول مالارميه (في كل مرة يبذل جهد لتحسين الاسلوب، يكون هناك شعر..)، فلا خوف اذن ممن سيضيف اليك.. ان الألم والمكابرة.. الفرح والحزن.. الخيبات والأمل.. التوق والسمو.. تشكل مشتقات الشعر ومكوناته الأساسية، واذا اختفت في حياتنا، أيبقى الانسان سوى خردة معادلات.. ونظريات فسيولوجيا!
  • نحن اليوم في عصر متغيّر، كل شيء فيه يتغيّر بتسارع. كيف يؤثر عليك هذا، شعريا؟

  • - أنا لائذ بطفولتي، منذ نعومة أحرفي.
    على غلاف مجموعتي الثانية (يوم لأواء الوقت) ثبّت الناشر ثلاث شهادات لثلاثة نقاد طرّاد الكبيسي، ياسين النصير، د. حاتم الصكر يقررون فيها دون اتفاق ان جواد الحطاب (شاعر طفل.. لعبته الكلمات)!
    المتغيرات تحكم العالم، ولكن اي عالم؟ انه عالم الكبار فقط، أما عالمنا، نحن الاطفال، الذين نتعامل مع الموجودات لا الحواس كما يقول كانت فهو مختلف، وسنحافظ عليه كذلك.
    كلما أجلس أمام ورقة بيضاء، أكوّر قبضتي، وأدق على البوابات المغلقة، ودائما، كنت أعود بقبضة مدماة، وعيون متسعة على مداها، فلم يعد الوثوق ممكنا بعالم الكبار؟
    .. منهمكا بلعبي الأثيرة (الكلمات) أحاول ان أرمم ما يمكن ترميمه عند من يقرأني، أهاجم نيابة عنه الانظمة، أقوده الى التاريخ.. وأعبر به الى المستقبل، علنا هو وأنا نعيد للعالم جدواه في الاستمرار.
  • لمن تقرأ..؟

  • - معرفتي بشعراء بلدي جيدة، لذلك سأذكرهم بشيء من التفصيل، مستثنيا الأسماء التي أخذت حصتها من الاعلام.. لمن في الداخل، اقرأ لعبد الرحمن طهمازي. كاظم الحجاج. حسين عبد اللطيف. حميد قاسم، رعد عبد القادر، عبد الزهرة زكي. طالب عبد العزيز.
    ولمن في الغربة اقرأ لفوزي كريم. سركون بولص. فاضل العزاوي. جليل حيدر. عبد الكريم كاصد. ولأصدقائي. عدنان الصائغ. وفضل خلف، وعبد الرزاق الربيعي، وأمل الجبوري. ودنيا ميخائيل. وعبد الأمير جرص. على صعيد الاسماء العربية، فالموقف غائم تمام بسبب الحصار الثقافي، وخاصة في الاسماء، والتجارب الجديدة. فمصر، لا أعرف عنها شيئا، وبعض الاسماء التي اشتركت معي في الملتقيات العربية، لم تكن مقنعة.


    (*) صحيفة "السفير" / بيروت 28-5-2002
     
    البحث Google Custom Search