أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
شاعر وممثلة وثلاثة تشكيليين في مالمو

التشكيل باعتباره قصيدة لونية على خشبة المسرح

الزمان - ستوكهولم

في تجربة جديدة امتزجت فيها الألوان والتخطيطات التعبيرية بالنص الشعري في فضاء مفتوح على سديم الحلم أقام المرسم الحر في مالمو أمسيته الأولى للشعر والتشكيل، شارك فيها الشاعر عدنان الصائغ بقراءات شعرية أمام جدارية كبيرة احتلت بفصولها الثلاثة ركني المرسم للفنانين: علي النجار وجعفر طاعون وأحمد بجاي حيث بدأوا مع القراءات الشعرية يرسومن عوالمهم الجميلة وتخطيطاتهم التعبيرية على مادة البلاستك الشفاف أمام الجمهور بشكل مباشر، لتشكل هيكيلية سينوغرافية افترشت مساحة واسعة من العمل كانت فيها ضربات ريشاتهم تتصاعد وتتداخل مع ايقاعات النص في تفجراته وحيرته وشكواه:
" أرسمُ دبابةً وأوجهها إلى شرفة الجنرال
أرسمُ غيمةً وأقول تلك بلادي
أرسم لغماً وأضعه في خزانة اللغة
أرسم عنكبوتاً وأحنّطه على باب الأحزان
أرسم أبي وأقولُ له لماذا تركتني وحيداً أمام اللئام
أرسم مائدة وأدعو إليها طفولتي
أرسم ناياً وأنسل من ثقوبه إلى القرى البعيدة
أرسم شارعاً وأتسكع فيه مع أحلامي
أرسمُ قلبي واسأله أين أنتِ "
علي النجار كان محلقاً بمساحته، وقد ترك ألوان فرشاته تبتكر عالماً غرائبياً من الرؤى والتكوينات، دخل بجسده النحيل في تلافيف العمل. فكان المشاهدون يرونه من وراء مساحة البلاستك الشفيفة وكأنه تكوين متحرك في فضاء اللوحة، تاركاً عيونهم تتابع قطرات اللون التي انزلقت إلى أرضية المرسم حيث كراسي الجمهور وكأنها تقترح هذا الامتزاج بين النص ومتلقيه، بين التشكيل والآخر، لتتصاعد به إلى هيولى الوجود ذاته وتشاركه أسراره وأحلامه وعذاباته ومبتكراته اللونية التي كانت تتداخل بين الأزرق في هديره وتموجاته وبين الأسود القاطع بينما افترش الأصفر ماورائيات حلم الفنان، ليقطع أخيراً بمشرطه جسد اللوحة ويخرج بهيكله ويجلس على أرضية المرسم ليواصل من منظور آخر تفصيلاته وهواجسه وحيث يقترب منه الشاعر الصائغ في لحظة عفويه وكان قد وصل إلى المقطع التالي:
" سأتمددُ على أولِ رصيفٍ أراهُ في أوربا
رافعاً ساقيَّ أمام المارة
لأريهم فلقات المدارس والمعتقلات
                  التي أوصلتني إلى هنا.."
ليجلسان جنباً إلى جنب وكأنهما يختصران النتيجة نفسها. النجار في تغربه مع اللون
والصائغ في نشيجه" العبور إلى المنفى"، تلك القصيدة التي أثارت شجون الكثيرين.
الفنان جعفر طاعون كان سارحاً مع شخوصه اللامرئية في كتل اللون التي كان يطشها في فضاء اللوحة:أجساداً هائمة، ووجوه متعبة صارخة، وجسوراً لا تفضي إلى شيء، وحيوانات تتصارع من أجل البقاء، وغبار حروب مشتعلة منذ بدء التأريخ. وحده الفنان المرهف يقف في أقصى غربته يراقب المشهد بعينين مفتوحتين، حالماً بعلم أكثر سمواً وجمالاً وسلاماً وحباً. كان اللونان الأخضر والأبيض بالكاد يبينان أمام وحشية الأسود المهمين، بينما كانت عاصفة اللون الأصفر تقتلع ما تبقى من الشجر والبشر وقد عاش الفنان سنوات قاحلة في الصحراء بعد حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء، ليلتقي هنا في صقيع السويد مواطنه الثاني الصائغ الذي عاش ويلات الحرب أيضاً والذي كان يرثي صديقه القتيل:
" الجندي الذي نسي أن يحلقَ ذقنَهُ
ذلكَ الصباح
فعاقبَهُ العريفْ
الجندي القتيل ، الذي نسوه في غبار الميدان
الجندي الحالم ، بلحيتهِ الكثّة
التي أخذتْ تنمو
                       شيئاً، فشيئاً
حتى أصبحتْ - بعد عشر سنوات -
غابةً متشابكةَ الأغصانْ
تصدحُ فيها البلابلْ
ويلهو في أراجيحها الصبيانْ
ويتعانق تحت أفيائها العشاقْ
..........
................
الجندي ..
الذي غدا متنـزهاً للمدينة
ماذا لو كان قد حلقَ ذقنَهُ ، ذلك الصباح "
وكان الفنان جعفر طاعون قد أعد عملاً فنياً عن هذه القصيدة في معرض قاعة الفن في متحف مالمو الرئيسي عام 1998 ضمن أعمال كثيرة لمجموعة من الفنانين، واستمرت رحلته مع الصائغ في تياتر X Teater في مالمو ، وفي هلسنبوريغ بالتعاون مع المؤسسة الثقافية " كو " على قاعة الجناح الأسفل للمسرح الرئيسي، مع الممثلة المسرحية ليسا فري Liza Fry التي كانت تقرأ الترجمة السويدية للنصوص - من قبل ستافان ويسلاندر والشاعرة بوديل جريك - باداء مسرحي جميل نال أعجاب الحاضرين لما تمتلكه الفنانة من طاقة تجسيدية جذابة كانت تتداخل مع الحرف من جهة واللون من جهة أخرى لتصور للجمهور السويدي والعربي ذلك النفي القسري للانسان وتلك العذابات السرية والأحلام المتفجرة والحروب والنفط  والحضارات التي تمور بها بلاد الرافدين . وحيث كانت الحركات الايمائية للفنان سرمد مكي خلف اللوحة أشبه بتكوينات غير مرئية تداخلت مع القصيدة والألوان لتستنطق أو تعبر عن روحية أحد شخوص النص كأن يكون الجندي الذي أصبحت لحيته حديقة أو الكاتب في حيرته ومخاوفه أمام الرقيب. أو الفنان في حلمه عالم سرمدي المفقود.
وقد جسدت عدسة الفنان طارق هاشم المقيم في كوبنهاكن لحطات العرض الأول الذي أقيم في تياتر X Teater من خلال شريطه السينمائي الذي سجل الكثير من التفاصيل والدهشة والأخيلة.
الفنان أحمد بجاي راح يستقرأ باللون تلك الفراغات المنسية على جسد اللوحة ليملأها حياة وشخوصاً ورؤى ظلت طيلة العرض الذي استغرق زهاء الساعة تتملص من أشكالها وحدودها المرسومة لتتداخل مع شخوص طاعون وكأنها امتداد لتلك المسيرة المضنية في الوطن والترحال الغرائبي في صقيع شمال العالم.
في المرسم الحر قرأ الصائغ نصوصاً جديدة منها قصيدة " صعاليك حسن عجمي أيضاً " التي نشرتها صحيفة الزمان مؤخراً ( 24 نيسان 2001 ) وكان الشاعر السويدي كريستيان ليورث Kristian Lewerth قد قرأ نصوص الصائغ المترجمة إلى اللغة السويدية بينما كان المصور السويدي يوهان دالوجيك يدخل بكاميرته في تفاصيل الخطوط  وتموجات الصوت ليخرج بفيلم فني عن تلك التجربة.


(*) نشر في صحيفة "الزمان" لندن - ع 949 في 22/6/2001 - ص 12 ألف ياء
 
البحث Google Custom Search