أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
رذاذ

"التي نقضتْ غزلها"

عبد الرحمن الدرعان

هل سمعتم أيها السادة لغواً مثل هذا؟
على الصفحة التاسعة من جريدة الجزيرة ليوم الأحد 12/1/1418 هـ، في "لحظة هدوء" فوزية الجار الله، فقدت هدوئي.
مشيت - كالعادة – مع الكلمات الخضراء منتشياً بالشعر الذي يلمح من خصاص السطور يرافقني "بودلير" الذي قال "ليكن الشعر موجوداً حتى في النثر". أعتقد - شخصياً – أن الشاعر لا يُمتحن، أما الناثر فيمتحن بمدى ما تتركه كلماته على الصفحة من غبار الشعر الأزرق. وأزعم أنني نجحت في العثور على هذه القيمة عند فوزية، بيد أنها عند كلمة بعينها خذلتني، إذ اعتقدت لكل هذه العذوبة سكيناً نحرت بها لحظة الهدوء بكل ما فيها من عشب وعصافير وتوق وسماء. لم يكن في مقدوري أن أتسامح. أو أمرر الكلمات أمام قلمها النبيل. وأبداً لم أبرح أتألم – كقاريء ليس إلا – جراء قذيفة (اللاوعي) التي سُددت إلى وعيي.
أسوق إليكم المثال، تقول فوزية:
"جاءتني يوما في لحظة صباحية لا تنسى كأنها الآن وسألتني: هل سمعت البارحة ؟! و"البارحة" عنوان لأغنية عراقية قديمة صادقة وأصيلة كما أصالة نخيل العراق.. "قبل الغزو".... إلخ".
هل انفلتت – يا ترى – هذه الكلمة: (قبل الغزو) كسهم مراش بوعي كاتبتها ؟! أم حشرت الكلمة بين قوسين يَضُكان عليها استحياء. فساءلت في البداية أتكون هذه الكلمة قد وضعت وضعاً بقلم مجتهد.. الرقيب مثلاً، ثم قلت لنفسي يجب أن نرعوي ولانحمل على أحد إصراً آخر غير إصره بحجة أن أسماً ما نحسن الظن فيه يجب أن نزكيه، ونعلق زلاته الطارئة على أى عابر!!
إلا أنني أستطيع أن اقطع بالجزم بأن أختي الكاتبة توقفت على مشارف هذه الكلمة، وشطبت، وترددت، ثم عادت ومحت، لتكتبها مرة إثر مرة.. ناكفها قلمها.. وتضور عقوقا بين أناملها غير أنها أخيراً هجمت بلا وعي وعيها وقررت الإبقاء عليهم ثم أشاحت على اعتبار أنها رشوة صغيرة دفعت لسد الذريعة لأولئك المسطحين الما يزالون لا يميزون بين الوطن والأنظمة الطارئة التي تدعيه.
لا يافوزية. لا (!!)
وتضيف الكاتبة: "ولأجل جمر الذكريات، ولأجل الزمان الذي لا ينسى فقد عدت للإصغاء إلى (البارحة) وهي تمتزج وتذوب داخل الحان شرقية تنهمر بهدوء آسر كانهمار الماء عذباً لتورق من خلاله سنابل الخصب والربيع"
وأقول: لما عدت؟ أو كالتي نقضت غزلها ؟
كيف لم تفقد الأغنية عندك، عذوبتها، وانهمارها بعد الغزو؟
وهي توأم النخلة، لأن الذي أبدعها لا يمكن أن يكون ملازماً في الحرس الجمهوري وإنما هو أحد الفلاحين الشرفاء. ولماذا لم تستطع لحظة هدوئك أن تكون أكثر هدوءاً. كأن كلمة "قبل الغزو" هذه خُطت بيد أسير مصفد إلى جذع نخلة عراقية.
يا أختي الكريمة، لأننا نحبك. ولأن العراق ليس صدام حسين أو حسين كامل لأنه ليس جلاوزة الحرس الجمهوري، ولا حزب البعث. لأن العراق سيعود يوما من المنفى إلى الأهل والنخيل الأصيل دائما، يجب أن لا نؤكد ديمومة هذه الدمى.
إنه خارطة باذهة تفيض بالفقراء والنخيل والعيون النجل والهوسات الطالعة من الحناجر لتي شققها العذاب، وحولها إلى نايات موغلة في البكاء.
إنه أكثر من مليون مبدع ومثقف يجوسون الطرقات في ليل غربتهم منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر الطلقة. بلند وسعدي والبياتي ونازك وعدنان الصائغ و"عبود" الذي الذي.... !!
"كان المفوض ينقل عينيه بين الأضابير والزر، يزبد محتدماً:
- أكنتَ تخط الشعارات ضد الوطن؟
- الحكومة ليست وطن(!!)"..(*)
ثم، لا، يافوز، لا (!!)

* من نشيد أوروك لعدنان الصائغ


(*) صحيفة "البلاد" السعودية ع 14948 س68  في 31/5/1997
 
البحث Google Custom Search