أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الشاعر عدنان الصائغ

عن الجيل والحرب والمنفى

أجرى الحوار: عباس طه الأزرق
عمان

  • جيل الثمانينات وقصيدة النثر ؟

  • جيل الثمانينات، جيل عصرته التجارب والمكابدات إلى أقصى حد فتمخضت عنه تجارب التماعات مهمة وشوائب كثيرة ومماحكات هامشية على متن النص.. وهذا كله شيء طبيعي في أي جيل أو اتجاه في العالم، لكن شراسة الحرب التي فتح جيلنا عيونه عليها جعلت نصه أكثر مغايرة، وخطابه أكثر حدة وأنيناً وأقسى وجعاً وتطرفاً.
    وقد تنوعت تجارب الجيل إلى حد كبير يمكن تلمس ثلاثة تيارات رئيسية فيها، هي:
      شعراء الحداثة والتغريب.
      شعراء الحياة اليومية والوجع واقتناص اللحظات الشاردة
      شعراء التقليد والنمطية والمباشرة والاستنساخ والانبطاح.

    وبين هذا وذاك تنحشر أسماء كثيرة واتجاهات أكثر لم يبق منها اليوم في غربال الزمن إلا القلة من المبدعين الحقيقين.
    فمن بين ما يقرب المئة شاعر ونيف لم يبق إلا شعراء بعدد أصابع اليدين أو أقل وهذا أيضاً شيء طبيعي في كل جيل وما زال الزمن ومعيار الذائقة يغربل أكثر وأكثر.
    أغلب جيلنا، أو أغلب القسمين الأولين كتب القصيدة الحرة وقصيدة النثر قبل أن تصبح الأخيرة منهجاً راسخاً أو سمة واضحة للجيل..
    وقد أنشغل بعضهم في التنظيرات حول هذه القصيدة، مردداً كالببغاوات بعض طروحات الشعرية الغربية في الكتب المترجمة. بينما راح البعض الآخر يجترحها من الحياة المعاصرة نفسها، التي مهدت لإيقاع القصيدة الحديثة أصدق وأشف تمهيد.
    وبالتالي أنشق من ذلك كله تياران رئيسان: تيار غالى في التطرف والغموض والزخرفة اللغوية وتيار راح يستلهم الصور والدهشة من بانوروما الحياة نفسها..
    وطبيعي في أرض ملتهبة مثل العراق أن تنشأ معارك شعرية ملتبسة على رمال متحركة لواقع ثقافي مترجرج فوق ارض سياسية أكثر ترجرجاً واتهامات وادعاءات شتى في مناخ يعج بدخان الحروب وشظاياها، بين هذا الطرف أو ذاك، غير أنهم تناسوا أنهم ليسوا الحكم والشهود على نصوصهم. ولا ادعاءاتهم ستحسم القضية وإنما الذائقة الإبداعية والقراءات الجادة وغربال الزمن. ذلك أنك عندما تقرأ نصاً لا تلتفت للتنظيرات بقدر ما تهتم بطبيعة النص ومدى ملاصقته لك..
    هم ينظرون للحداثة ويقعون في النمطية، ويكتبون عن كسر الأصنام الشعرية ويقعون في الصنمية وغير ذلك الكثير.
    وقد تأثروا ببقايا ثورات الشعر السبعيني في العراق ولبنان  مثل زاهر الجيزاني وخزعل الماجدي وسلام كاظم وخالد المعالي وعبد القادر الجنابي، وعباس بيضون وعقل عويط وصباح الخراط زوين، وغيرهم. الذين خلقوا لهم أنساخاً ومروجين هوّموا على موضوعة الحياة نفسها بتنظيراتهم ونصوصهم الذهنية.
    وهكذا غرقت الساحة الثقافية بهؤلاء من جانب، ومن جانب آخر كانت تحاصرنا جيوش قصيدة النمط والمباشرة وقصيدة المديح.. وبين هذين الحصارين ولدت قصيدة اللقطة والحياة اليومية رغم أنها ليست نمطاً جديداً لكننا جددناها واضفنا اليها الكثير من دم عصرنا ونبض حياتنا وأحلامنا وخرابنا وشتاتنا.

  • ملامح قصيدة النثر الآن ؟

  • ملامح قصيدة النثر تشبه تماماً ملامح عصرنا اليوم بكل طبوله وطيوره وأشجاره وشوارعه ومعاركه وشعاراته، وما عليك إلا أن تجد وسط كل هذا الضجيج فرصة سانحة لتنفرد مع نفسك في حانة أو مكتبة صغيرة أو حديقة عامة، لترقب المشهد عن كثب.
    مشهد معتكر وملتبس لقصيدة حية جديدة لم تجد فرصة لتعلن عن نفسها وسط ضجيج الطبول والادعاءات، فقد فتح جيلنا وعيه واطلع على قصيدة النثر وأكمل كتابتها أثناء الحرب، فاختلطت مفرداتها بالشظايا والدم، البعض جرها إلى صومعته وأبراجه العاجية والآخر جرها إلى سواتر الحرب والآخر إلى المقهى والشوارع والأرصفة، فحملت من هنا وهناك ملامحها المختلفة.
    والآن حين تتفرس في تلك السمات تجد أنها خليط من كل هذا. وهذا ليس غريباً فالنص الحقيقي يحمل دائماً واقعه ونكهة عصره. لكن البعض حاول القفز على هذا الواقع واستيراد مفقساً اصطناعياً لبيوض قصيدته، فولدت أفراخاً مشوهة وكسيحة.
    أنني أرى أن قصيدة النثر ابنة عصرها ووريثة كل هذا التاريخ المفعم بالأحلام والإحباط والحروب. فلماذا شد الشاعر عينيها كي لا ترى هذا الواقع وتقفز عليه لتتحدث عن الحوذي والقبعة والياقوتة الثالثة والزبرجد والهيولى وشوارعنا مغطاة بالدم. ألم يصرخ بابلو نيرودا: "تعالوا، تعالوا انظروا الدم في الشوارع".
    أخلص إلى القول أن هناك اتجاهين  رئيسين في قصيدة النثر اليوم تبعاً لتأثر الشاعر وثقافته وموهبته وهمومه وتجاربه. أحدهما يحمل ملامحنا، والآخر يحمل ملامح الغرب من خلال "التزاوج بالترجمة". فهناك شاعر أبن الحياة اليومية بمفارقاتها والتماعاتها. وهناك شاعر أبن القواميس والترجمات وبالتالي لا بد أن تحمل القصيدة شيئاً من ملامح هذا أو ذاك.

  • شعراء المنفى والخطاب السياسي. ما مدى التوافق؟

  • الخطاب السياسي منزلق خطير قد يذهب بالشاعر وقصيدته إلى خارج متن النص لكن باعتقادي أن الشاعر الكبير قادر أحياناً على صهر هذا الخطاب السياسي وتحويله إلى مادة ابداعية. وللمنفى أحكامه ولغته أيضاً التي قد تقترب إلى حد ما من لغة الخطاب السياسي فتسحبه بوعي أو دونه إلى قصيدة الشعارات البائرة.. وأعود وأقول ان الشاعر المبدع الخلاق قادر أن يفجر ما حوله إلى لغة إبداعية. والأمثلة كثيرة في متون الأدب العربي والعالمي، ويمكنك تلمس ذلك في النصوص التي ذهبت إلى الإبداع وفي النصوص التي ذهبت إلى السياسة لتجد الفرق بين الاثنين جلياً.
    وأرى أن التوافق الإبداعي بينهما صعب يحتاج فيه خالق النص إلى صهر كل التجارب في نص إنساني مفتوح يعكس الكثير.
    على العكس من ذلك يرى بعض المتشدقين أن التوافق بين الخطاب السياسي والإدبي سهل جداً لا يحتاج إلى مهارة إبداعية بقدر ما يحتاج إلى زعيق وضجيج وشعارات وتكتيك، لهذا جر إليه الكثير من ضعفاء المواهب وعشاق الاستسهال، ليغرقوننا بطوفان من القصائد تصلح في كل مناسبة ونائحة وانقلاب ومنفى.

  • تأثير صيغة المنفى في مستوى كتابة القصيدة ؟

  • كيف لا يكون للمنفى تأثير على المبدع وقد أخذ منه الكثير: أيامه وأحلامه وذكرياته وأصدقاءه ومرابع طفولته وأهله ووطنه، لكن هذا التأثر والتأثير يختلف من شاعر إلى آخر حسب مشروعه ومستوى موهبته. وعلى هذا تنوعت التجارب بين اجترار الماضي انقياداً للحنين وبين الانسلاخ من الجذور تحت سيطرة الإنبهار بالمنفى. غير إن هناك الكثيرين ممن رسخوا جذورهم الإبداعية في شتات المنفى, متواصلين مع الحياة والتجارب الجديدة وهم يمدون جذورهم العميقة في وطنهم وموروثهم، ليخلقوا من هذا التمازج أفقاً جديداً من الاستشراف والاستكشاف والتجديد.

  • لمن يكتب الشاعر في المنفى ؟

  • بقدر أهمية هذا السؤال ينبع سؤال أول هو: ماذا يكتب الشاعر؟ ومن هذا المعنى يمكن أن ينبثق سؤالك: لمن يكتب الشاعر في المنفى؟ أو بالعكس، اقتراباَ من مفهوم النص والمتلقي الذي شغل النقد زمنا ولا يزال. أنا أرى أنني لا أكتب لقارئ محدد بقدر ما أكتب لقراء عديدين قد لا أعرفهم و لا يعرفونني ولا أعرف ماذا يريدون أو يحلمون ولا أعرف ذائفاتهم أو اتجاهاتهم. انهم ينبثقون لي من ثقوب الليل والورق والأغنيات والوجع، يزفرون في ناياتي ويداعبون أوتاري، لتصدح في هذا السكون المر في أقاصي المنفى حنيناً لتلك الربوع التي نُفينا عنها. أو تتفجر في سهوب الوطن تطلعاً للانعتاق من ليل الطغاة الطويل، وترنماً بفجر الحرية والحب والإنسان.

  • شعر المنفى وانعكاساته على شعراء الداخل ؟

  • هناك تأثر وتأثير متبادل بين شعراء الداخل والخارج, مثلما هناك تواصل أكيد رغم الأسلاك والسياسات والشعارات والادعاءات الفارغة التي يتاجر بها أدعياء الأدب في الخارج وأبواق السلطة في الداخل. فالنص المبدع والنظيف والصادق هو هو سواء كان في الداخل أو في الخارج وهو يمد جذوره عميقاً في الأرض ويستشرف من وراء الأسلاك زرقة الفضاءات الصافية, ويفرش ظلاله في ربوع الوطن وفي أصقاع المنافي. أنا شخصياً أقرأ الكثير مما يصلني وأسعى للحصول على آخر نتاجات أجيالنا الشعرية التي ظلت هناك وخصوصاً الأصوات الجديدة من الجيل التسعيني، وأتواصل معها.
    وعندما كنت في الداخل كنتُ أحرص أيضاً وبوسائل شتى على الاطلاع على آخر النتاجات الإبداعية التي تصدر في الخارج. وقد قرأنا الكثير من نصوص سعدي يوسف وبلند الحيدري والجواهري وفاضل العزاوي وهاشم شفيق وسركون بولص وغيرهم الكثير.. وبرأيي أن هذا مهم جداً من أجل التواصل والإطلاع والاستكشاف والبحث .. وبلا شك أن لشعراء المنفى تأثير على الأدباء في الداخل، في الشكل والمضمون. غير أننا يجب أن نشير إلى حقيقة أن قسماً منهم كان فارغاً وشاحباً ومعبأ بالتنظيرات والشعارات المكررة وقسم منهم كان مبهراً بألقه وحقيقياً بقيمته الابداعية.

  • هل استطاعت القصيدة العراقية أن تجد لها موقع أو تأثير على الشعراء والقراء في الخارج ؟

  • بالتأكيد, فالأرض العراقية رغم الزلازل والأسلاك وغبار الحروب، إلا انها كانت وستظل حبلى على الدوام بالإبداع والثورات والتجديد.
    وقد ولدت هذه المناخات الكابوسية المرعبة، جذوة الابداع المتوقد الذكي الذي هو قادر بأدواته الفنية على مراوغة الرقيب والافلات منه ليصل إلى الشعراء والقراء أينما كانوا. فالنص المبدع المقاوم يستطيع أن يراوغ شرطيه حسب مقولة أحد المفكرين ليفلت من مقصاته، وهو يكافح متخطياً كل الحواجز ليصل إلى هنا أو هناك. أما النصوص الكسيحة فأنها رغم كل ما يقدم لها من دعم  سياسي أو حزبي أو شللي فأنها لا تصل إلى أبعد من مخازن وزارة الثقافة والإعلام أو مقر الحزب أو مقهى روزنكورد.

     
    البحث Google Custom Search