أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
في حوار للصفحة الثقافية - جريدة المشرق اليومية

الشاعر عدنان الصائغ

أجراه الشاعر ليث فائز الأيوبي
- بغداد -


  • عدنان الصائغ.. الشاعر الذي أثار الكثير من الجدل في منتصف الثمانينات.. معه أو ضده، لم يعد يهمنا الآن.. فارس القصيدة اليومية الذي قدمه البياتي كشاعر في زمن عزّ فيه الشعراء.. أين هو الآن؟

  • - مازالت القصيدة المشاكسة تتلبسني، ومازالت الزوابع تطاردني وخلفهما الرقباء والأدعياء والظلاميون.. لكني غير ملتفت إليهم بالمرة، تاركاً لهم لوك الغبار.. وأنا بهوسي ويقيني، ماضياً إلى الجلجلة، بأقدام من قلقٍ، وروح ثابتة، وعيونٍ حالمة بغد الشعر والحرية..
    أواصل – بعد "نشيد أوروك" – الكتابة في نص طويل مفتوح أسميته "نرد النص"، يستنطق المسكوت عنه في ثقافتنا العربية.
    أواصل بعد "تأبط منفى" طوافي في ممالك اليوتوبيا وقارات الوجع، قراءةً وحفراً معرفياً واستكشافاً، بحثاً عن:
    المطلق في النص،
    وينابيع الحب في الإنسان، والحرية على الأرض...

  • تبدو الكتابة أحياناً فعلاً ميؤوساً منه.. هل مررتَ بهذه التجربة العسيرة؟.. هل تقبلت فكرة أن يجف مداد القلم فجأة.. وأمامك أوراق لانهاية لها؟

  • - في اليأس التام مقتل الكاتب، لكن الآلام والخيبات يمكن أن تفجّر في روحه ينابيع الإبداع الخفية.
    مررتُ بمحطة اليأس فترات عديدة، خاصة في سنوات الحرب المريرة التي عشتها ووجدتُ أن كل شيء باطلٌ وقبضُ ريح.. وحين أحسستُ بمداد قلمي آيل للنضوب أو التكرار، انقلبتُ على نصي ويأسي ورحتُ أبحثُ في حقول الألغام التي حولي عن زهور النرجس، وهي تتمايل بأطياف ألوانها وعبقها ساخرة من آلة الموت..
    من تلك المفارقة المهولة وما بعدها من تلاوين صور الحياة ودهشتها وبهائها، وجدتُ في مادتي الشعرية انتصاراً على الموت والخراب والجنرالات.. ورأيتُ أمامي أوراقاً لانهائية للكتابة وعالماً مفتوحاً لا يحده شيء.

  • ماهو دور الرموز التي تعيش في ضمير ووجدان الكاتب.. هل هي حقاً آخر قوارب النجاة أمام المبدع لكي يتجنب الطوفان، سياسياً، واجتماعياً، وحتى دينياً؟

  • - المبدع المتجذر في أرضه وفنه وضمير شعبه، لا يمكن لرياح العالم أن تقتلعه من جذوره، ولا يمكن لطوفانات الأحزاب السياسية والأرصدة والأضواء والتقليعات الاجتماعية والدينية والطائفية أن تغير مساره أبداً..
    إن الإبداع يكون للكاتب أشبه بالحصن المنيع، يصد عنه كل تلك العواصف، وهو يمضي ثابت الخطى في أكثر الطرق وعورةً والتباساً..
    وهذه الحصانة تأتي من يقين المبدع وثبات مبادئه وقراءاته المتعددة وتجاربه الحياتية وسعة أفقه ورصانة وعيه وتنوع علاقاته وصدق معاناته ويقظة ضميره وثقته بقلمه واستشرافه للغد واصراره على الحق وايمانه بالحرية.. والخ، وإلى آخر تلك القوارب، وأطواق النجاة الرائعة في خضم أزمنة الطوفان المتلاطمة التي أغرقت الكثيرين..

  • ماهي حدود معاناتك مع الرقابة خصوصاً وأن لديك قصيدة مقذعة، تشتم فيها الرقيب؟

  • - عانيت من الرقابة الكثير سواء داخل الوطن أوخارجه، وإنْ بشكل أخف هنا، ذلك أن مقصات الرقابة الرسمية في وطني - زمن الدكتاتورية البغيضة - يمكن أن تقص عنقك بالإضافة إلى نصك، بينما لا يتعدى مقص الرقيب خارج الوطن من قص نصك، وشيئاً منه أو منك في بعض الأحيان..
    في الوطن تعرضت الكثير من كتاباتي إلى القص وأحياناً للتغيير، حين يجدها الرقيب لا تتماشى مع الخط المرسوم له.. أذكر من ذلك بعض المقاطع من ديواني "العصافير لا تحب الرصاص"، وديواني "سماء في خوذة" وكذلك مسرحيتي "الذي ظل في هذيانه يقظاً"..
    وفي المنفى تعرض ديواني "نشيد أوروك" للمنع في أكثر من بلد عربي، وطالبت دائرة رقابة المطبوعات في إحدى الدول العربية إلى حذف حوالي 45 صفحة منه دفعة واحدة، بحجة مساسه بالثالوث المقدس..
    وتعرضت - للأسف – بعضٌ من نصوصي إلى الحذف من قبل رقباء بعض الأحزاب في بلاد المنفى.
    وبقدر ما أحزنني وآلمني هذا، رأيت أن ثمة معادلة - طريفة وموجعة في آن - لم يلتفت إليها غباء الرقيب العربي، وهي:
    قلْ كم أنت محذوفٌ من قبل الرقابة... أقلْ لك كم أنتَ مقروء..!!
    شيء أخير أقوله: إن هذه المقصات السوداء لم تستطع أن تثنيني عن مسيرتي والتعبير عما أريد قوله بحرية وصدق وجرأة.. ولم تستطع أن تثني أو توقف مبدعاً على مدار تاريخ الأدب الإنساني..
    إنني أرى أن لا رقابة على المبدع سوى ضميره الابداعي. وهذا برأيي هو المقياس الحقيقي.

  • الكتابات التي تناولت بالنقد نتاجاتك على مدى مسيرتك الأدبية، كيف تعاملت معها بالإمتثال لأحكام النقد أم اللامبالاة؟

  • - لا هذا ولا ذاك، أي ليس الامتثال بمعنى التسليم الكامل، ولا اللامبالاة أيضاً بمعنى عدم الاهتمام بالمطلق.. فقد أضاء لي الكثير من هذه الدراسات النقدية جوانباً من تجربتي، ضعفاً أو قوةً.. وهي من جانب آخر فتحت للقاريء العديد من الأبواب المغلقة للدخول إلى النص..
    وقد أكون محظوظاً قياساً إلى أبناء جيلي من حيث تناول تجربتي من قبل نقاد وشعراء كبار..
    وكان هذا جزءٌ مهمٌ من تطوير التجربة وتسليط الضوء عليها وأحساسي بالمسؤولية الإبداعية..

  • هل من الضروري أن يرتدي المبدع بعد اكماله للعمل الادبي زي الناقد فاسحاً المجال له لتقليم أظافر نصه؟

  • - هذا شيء مهم لابد لأي مبدع حريص على نصه من الالتفات إليه، .. فبعد فترة من اكمالك للعمل والخروج من حمى الكتابة تستطيع أن تضعه على طاولة التدقيق والفحص، لترى عيوبه الخفية، فتشذبها أو تغيرها أو تعالجها.
    ومنذ القوم عرف العرب القصائد الحولية، أي التي كانت تعيش مع الشاعر عاماً كاملاً، يدققها ويصححها ويتفحصها قبل اخراجها من جيب جبته  للناس.

  • الكلمات لاتعجز عن التعبير أبداً فهل مرت بك حالات توقف أو اشكال أمام قصيدة أو حالة ابداعية لا تفسير لها؟

  • - حالات كثيرة مرت في تجربتي لم أجد لها حتى اللحظة تفسيراً..
    منها على سبيل المثال مقطع يمتد على مساحة عشر صفحات فولسكاب في قصيدة "نشيد أوروك".. حدث هذا بينما كنت في غرفتي ذات يوم من عام 1991 في بغداد. أطفأت النانوس في ساعة متأخرة من الليل وكنت أواصل كتابة الهذيانات أو "النشيد" على ضوئه الشاحب والمتراقص بعد أحداث الحرب الدموية والانتفاضة وانقطاع الكهرباء عن المدينة كلها. استيقظت في صباح اليوم التالي على أصوات صياح وعويل. فتحت النافذة لأجد منطقة الثورة التي هي أمام بيتنا قد طوقتها قوات الحرس الجمهوري، بحثاً عن الأسلحة والفارين والمنتفضين. بقيتُ أرقب المشهد متسمراً ثم انحنيتُ على أوراقي وبدأت أكتب - من حيث انتهيتُ البارحة - نصاً متشابكاً ومشتتاً وحاداً ومراً من هذيانات، تركته كما هو دون أجد له حتى الان تفسيراً أو معنىً..

  • ما هي طقوس الكتابة عندك.. هل ثمة أسرار تسبق الكتابة هل تشعر بجدوى ما فات من سهر وارهاق وغربة وحنين، من أجل كتاب آخر يضاف إلى رفوف مكتبات العالم؟

  • - طقس الكتابة عندي أشبه بلحظات التهجد الصوفية، أكون فيها مستغرقاً ومتوحداً مع نصي، بعيداً عن العالم وكل ما يحيط بي.. وهذا الطقس الممتع والممض ليس له حالة ثابتة أو زمان ومكان محددين.. أحياناً توقفني القصيدة في زحمة شارع، وأحياناً تطرق بابي في آخر ساعات الليل.. أحياناً تنبثق من أغنية أو لوحة أو غيمة أو مشهد يومي، وأحياناً قد تدغدغني من خلل سطور كتاب أو جريدة، أو تمضي معي في حقيبة السفر إلى مدن وشواطيء أراها للمرة الأولى (كم تحب السفر!).. وأحياناً تمكث معي داخل البيت لاتتركني أبرح طاولتي لأيام..
    على أنني - في كل هذا وغيره - أجدني في تلك اللحظات الفريدة ميّالاً إلى الوحدة مع نفسي وأوراقي وأغنيتي حتى لا يفسد خلوتي أي طارق أو أي شيء، عدا نقرات أصابع القصيدة التي أنا في انتظارها أبداً..
    أما جدوى الكتابة فهي عندي الوجود كله.. وهي الوحيدة القادرة على تعويضي عن كل خساراتي في هذا العالم.

  • في خضم الأحداث الجارية من حروب وارهاب وانتهاكات واحتلال ولا معقول.. هل يفاجئنا عدنان الصائغ بعمل شعري راهن خارج من قلب الاحداث؟

  • - منذ فترة وأنا منشغل بنصي الجديد "نرد النص" الذي سيضم خلاصة طوافي وقراءاتي وتجاربي ومنها ما تمخضت عنه هذه الأحداث الجسام التي عصفت وتعصف في وطني منذ مطلع القرن حتى يومنا هذا، وما سيأتي بعد..
    وهو نص مفتوح ومشاكس أتمنى أن لا تطاله يد الرقيب الجديد..

  • بعد أن تخلى الأدب عن أحد أضلاع مثلث العملية الإبداعية (المتلقي)، ما هي أقرب الحلول برأيك لاستعادة هذا المظلع المفقود؟ العودة إلى الواقعية، أم السير إلى آخر النقق؟

  • - لابدَّ من ردم الهوة التي أخذت بالاتساع شيئاً فشيئاً بين المتلقي والمبدع..
    ولا يأتي ذلك بالرجوع إلى الكلاسيكية أو الواقعية أو المباشرة، ولا بالمضي بهذا الهوس اللغوي والترميز الفارغ إلى آخر النفق.. فكلاهما سيوصلان إلى النتيجة نفسها وهي نكوص الابداع أو موته..
    والحل – اذ كان لابد من حل – هو بالاشتغال على النص الابداعي نفسه وتشذيبه مما علق به من صرعات استهلاكية دخيلة واعادة الروح والدهشة والحرارة إليه..
    هذا من جانب.
    ومن جانب آخر الارتقاء بالمتلقي: تعليماً وتذوقاً وتحسساً وانفتاحاً إلى مصاف الابداع العظيم..

  • أمنية لم تتحقق؟

  • - كثيرة هي تلك الأمينات والأحلام التي راودتنا زمنا طويلاً دون أن.....
    وأولها وأجملها أن يكون لنا وطن آمن وحر، بلا حروب ولا مجاعات ولا استعمار ولا ظلاميين ولاطغاة..

  • نربد أن نقف على جديدك وآخر مشاريعك الإبداعية؟

  • - جديدي دائماً هو البحث عن نص جديد.

     
    البحث Google Custom Search