أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الشاعر العراقي عدنان الصائغ

أجرى الحوار: سعد الثقفي
- الرياض -


  • قلت في رسالتك للدكتور علوش، متسائلا (ألا يستطيع العراق أن يعيش بلا حروب وبلا طغاة!!.. إلى آخر ما كتبت) تُرى ما الذي يجعل بلدا ما دون غيره أن يمسخ بمثل هاتين الصفتين الحروب والطغاة ، ما الذي يجعل بلدا مثل العراق أنْ يعيش محنة الحروب والقتل والانقلابات ، لماذا لا يُحكم العراق إلاّ بمزيد من الدّماء، أين يكمن السِّر، هل في شعب متمرد مثلا وعصي وغير مأمون من قبل من يسمون أنفسهم بالحكام أم السلطة نفسها تدرك إن القتل هي السبيل الوحيدة لبقائها؟

  • - أردت أن الفت انظاره الكريمة إلى ما ذهب إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز وهو يرد على عامل حمص الذي كتب إليه:- "أن سور المدينة قد تهدم فأن أذن أمير المؤمنين في أصلاحه". فأجابه الخليفة:- "حصنْ مدينتك بالعدل ونق طرقها من الظلم فأنه حصنها"..
    واردتُ أن أعيد إليه الحكمة اليونانية القدبمة: "أن القلاع تؤخذ من الداخل"..
    وأردتُ أن أقول له ولغيره من كتاب العربية الأفاضل ولبعض المتمنطقين بالشعرات الجاهزة: آن الأوان أن نقرأ الواقع والتاريخ والأمة بعيون صادقة ووعي عميق وضمير حيٍّ، من أجل أن نستخلص الحلول الخقيقية.
    آن الأوان أن ندرس حالنا وواقعنا البائس، دون القفز على الحقائق بهذه الحجة أو تلك.
    وبادئ ذي بدء أقول:
    أنا أرفض الإحتلال جملة وتفصيلاً، مثلماً أرفض الدكتاتورية جملتة وتفيلاً، ومثلما أرفض العقل الظلامي جملة وتفصيلاً..
    لماذا؟ لأنني أرى أن الدكتاتورية – ياسيدي - وجه آخر للإحتلال، وأن الإحتلال وجه آخر للدكتاتورية..
    فلماذا سكتنا طيلة عقود طويلة على سحق شعب بأكمله تحت بساطيل أعتى دكتاتورية شهدها التاريخ.
    لقد انتفض شعبي الصابر في آذار 1991عقب هزيمة حرب الخليج الأولى وعمت ثورته الكبرى أغلب محافظات العراق، وقدم آلاف الشهداء والتضحيات، لكنها فشلت – والأسباب كثيرة والتبريرات أكثر- وسُحق شعبي بمدافع الدكتاتور "الباسل" ومجنزراته وسط صمت مطبق من الجميع!!
    فما الذي كان سيفعله شعبي المأسور في الداخل بعد هذا!؟
    هل يقف مع الدكتاتورية؟
    أم يقف مع الإحتلال؟
    أم يتفرج؟
    وتلك لعمري معادلة لا أمر منها ولا أفجع!!
    ربما لحسن حظ شعبي أو لسوئه – أنه لم يكن له أي دخل في تقرير مصيره هذه المرة.
    فدخل المحتل، وانهزم الدكتاتور..
    وهو حائر لا يدري هل يصفق أم يلطم..؟!
    قلت إن مراجعة دقيقة للنفس والواقع ولتاريخ يمكن له أن يفسر بل ويحل لنا الكثير من ملابسات وضعنا العراقي الراهن – بالأخص – والعربي برمته، ويضعنا في المواجهة، في قلب معركتنا الحقيقية في الحرية والتحرر.. من أسر الاحتلال وفلول الدكتاتورية وقوى الظلام..
    لكن المشكلة الجذرية أن لا أحد يريد أن يقرأ.. أو يرى، .. مكتفين بشعاراتنا الجاهزة وخطاباتنا الثورية التي تهرأت من كثر ما علكناها في المناسبات القومية والوطنية والدينية والأعراس والمآتم.
    لنخلص إلى أنفسنا وتاريخنا بصدق..
    لنتخلص من قيودنا وجلادينا وناهبي ثرواتنا ودمنا..
    لنعرف معنى الحرية، ونمارسها قولاً وفعلاً..
    لنقف مرة أمام صناديق الاقتراع بكامل وعينا وقناعاتنا..
    لنعش بسلام وحرية واستقلال وأمان..
    والخ.. والخ
    وفي ذلك خلاصنا الحقيقي الوحيد، وما عداه فهو مجرد ضحك على ذقوننا المتعبة.

  • والآن! ما هو حظ العراق في مثقفيه وما حظهم فيه أيضا من حيث ترك الفرصة لهم في بناء عراق جديد. ما تعليقك على الحالة الراهنة ألا تشعر بتغيير الأدوار فقط، بينما تبقى مقولة السياب هي الأكثر عقلانية "ما مر عام والعراق ليس فيه جوع" وواقعية أيضا؟

  • - في غياب الحرية الحقيقية سيبقى العراق - بنخيله وناسه وحضاراته - يشكو القهر والجوع رغم بحيرات النفط والحضارات والخيرات التي يطفو عليها ونتبجح بها دائما في أناشيدنا وشعاراتنا...
    نعم سيظل يشكو ويعاني الفقر والكبت والقمع مادامت مقاليد حكمه ليست بيد أبنائه المخلصين...
    سيظل يشكو مادامت الحرية غائبة عنه..
    "الحرية أولاً" هكذا يقول الشاعر اليوناني ريتسوس، وهي – برأيي – الحل الأول والأنجع والأجمل..
    ولا تتحصل هذه الحرية بطريق الدبابة أو الراجمات أو صناديق التزوير.
    لا تتحصل بدون وعي حقيقي بأهميتها. وهذا الوعي لا يتحصل إلاّ بتطور المجتمع. وتطور المجتمع لا يتحصل مع وجود الدكتاتور القامع والمحتل الناهب..
    وهنا تجد نفسك في حلقة متصلة.. عليك أن لا تطفرها.. كما فعل الفاضل علوش وغيره من مثقفينا..
    حلقة تقود إلى حلقة وصولاً الى الحرية.. ووصولاً إلى التحرر..
    أو قيد يتشكل بقيد وصولاً إلى ما وصلنا إليه..
    نعم ينبغي ان تتاح للمثقف الحر النزيه فرصة أن يستشرف ويقول ويقود بعد أن فشل السياسيون والدينيون باديولوجياتهم المغلقة التي قادتنا إلى الحروب والهزيمة والخراب.
    الثقافة الجادة الحقيقية هي التي ستقودنا إلى ربيع الإنسان وتطور الأوطان ورقي الحضارات..
    وهذا الجانب الغني الذي أهمله صناع القرار على مدى تاريخ العراق آن الأوان أن نتوقف عنده وأن نفسح المجال ليأخذ المثقف دوره الحقيقي.
    وهذا لا يأتي بتغيير الأدوار فقط بل بتغيير المفاهيم.
    "تبدأ الحرية حينما تنسى تهجئة أسم الطاغية" هكذا يقول الشاعر جوزيف برودسكي..

  • أما آن الآوان في البدء لعودة المثقف العراقي من منفاه ، أشعر بأنه قد تغير وربما تغير العراق ايضا، ألا تفكر بالعودة نهائياً للعراق؟

  • - حلم العودة هذا لم يفارقني منذ أول يوم غادرتُ الوطن.. وقد اتيحت لي مؤخراً فرصة زيارته والإلتقاء بالأهل والأصدقاء بعد غياب دام أكثر من عشرة أعوام. وجدت أشياء كثيرة قد تغيرت. كما وجدتُ أن خلف فرح التخلص من الطغيان دخاناً كثيفاً لا أدري ولا يدري أحد عما سينجلي ما دام مضرمو الحرائق لم يتوقفوا عن اشعالها. وكلٌّ له حججه وكبريته وغاياته.
    قبل ثمانية أعوام ومن منفاي في  جنوب القطب، كتبت هذا النص:
    "لي بظلِّ النخيلِ بلادٌ مسوّرةٌ بالبنادق
    كيف الوصولُ إليها
    وقد بعد الدربُ ما بيننا والعتابْ
    وكيف أرى الصحبَ
    مَنْ غُيّبوا في الزنازين
    أو كرّشوا في الموازين
    أو سُلّموا للترابْ
    انها محنةٌ - بعد عشرين -
    أنْ تبصرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ
    السماواتِ غيرَ السماواتِ
    والناسَ مسكونةً بالغيابْ"

  • هل تتوقع أن تعود الحياة الثقافية في العراق كسابق عهدها أم أن العراق في طريقه للأمركة – اذا جاز لي التعبير- وقد سيتم أمركة العراق ثقافيا قبل كل شيء؟

  • - من بين مشهد الخراب والدخان الذي آلمني، وجدت مساحات ضوء كثيرة، وخضرة آيلة للإتساع يمثلها الوضع الثقافي الإبداعي الجديد وهذا العطش الحقيقي للحرية ومواكبة كل جديد..
    لقد مرت عقود طويلة من الحرمان على مثقفي بلدي حجبت عنهم سلطة الحزب الواحد كل مصادر المعرفة الإنسانية وخاصة تلك التي لا تتطابق مع منهجها بالإضافة الى آلاف الإصدارات الإبداعية الأخرى ومئات الصحف والمجلات الدورية.
    ورغم رواج عمليات الإستنساخ السري للكثير من الكتب التي كانت تتسلل عبر الحدود لكن الحاجة للقراءة والحرية كانت أوسع وأكبر من تلك المحاولات رغم اهميتها وتناسلها المستمر..
    وبعد سقوط الحواجز والأجهزة الأمنية والرقابة، توافدت للمكتبة العراقية الكثير من المصادر العلمية والمعرفية والثقافية، بالإضافة إلى النتاجات الأدبية والفنية. ورأينا اقبالاً شديداً على الإطلاع والحوار والمناقشات في الندوات الأدبية والمجالس العامة والمقاهي، بلا خوف ولا توجس، وهذا مؤشر مهم جداً على حيوية هذا شعبنا ومثقفيه..
    ولا أرى أي تخوف على الثقافة العراقية من أي أرياح كانت، فثقافتنا أصيلة ومتجذرة. وأتذكر غاندي وهو يقول: "لا اريد لبيتي أن يكون مستوراً من جميع الجهات ولا أريد أن تكون نوافذي مغلقة. أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم، لكني أنكر على أيٍّ منها أن تقتلعني من جذوري"..

  • بين التعامل مع النظام السابق (الجائر) والنظام الحالي – اذا اعتربنا احتلال العراق نظاما (المحتل) نقطة واحدة. هي الوصم بالخيانة لكل من يتعامل مع النظامين. أين تقف من هذه المسألة الشائكة؟

  • - أرى أن هناك رفضاً حقيقياً من قبل قطاع واسع من المثقفين والناس من مسألة الدكتاتورية، وكذلك من مسألة الإحتلال..
    وهذا أمر طبيعي بالنسبة للشعب الذي ذاق ويلاتهما وهو أمر طبيعي أيضاً بالنسبة للمثقف الحر غير المرتبط بحزب أو مؤسسة والمتطلع إلى خير بلده..
    وإن ارتبط المثقف لهذا السبب أو ذاك، فليس من الجائز وصمه بالخيانة دفعة واحدة.. لا بد من فصل كل حالة عن غيرها، ومراجعة مواقفه وآرائه وظروفه.
    فنظام دكتاتوري خيم على البلد لإكثر من ثلاثين عام،  وسيطر على مفاصل البلد: ثقافياً وسياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وغيرها. فأين يذهب المواطن وأين يذهب المثقف؟
    والحال اليوم يقترب إلى حد ما من هذه المعادلة القاسية.
    علينا أن ننظر بشفافية عالية ونزاهة ضمير إلى من ظلوا هناك تحت المطرقتين.

  • بعد مدة ليست بالقصيرة على مجيء الديمقراطية الأمريكية للمنطقة العربية بصورة ظاهرة تماما (هي موجودة ولكن بصورة أقل ظهورا من قبل) ما هي من وجهة نظرك سمات هذه الديمقراطية الأمريكية وهل تعتقد بأنها ستعمر طويلا وماذا يمكن آن نطلق عليها؟

  • - لماذا تسحب الديمقراطية بتاريخها الطويل إلى الأمريكان.
    الديمقراطية أقدم من تاريخ امريكا كله. وأكبر من النظام الأمريكي أو النظام الروسي أو أي نظام في العالم.
    الديمقراطية مصطلح أوسع من أن يعلبه أحد تحت يافطة أي أسم أو حزب أو نظام أو دولة..
    الديمقراطية هي الديمقراطية نسعى ونحلم بها خالصة صافية بدون وصاية من أي أحد..
    والحرية هي الحرية والحب هو الحب والجمال هو الجمال.
    أما أن تصفها بالحرية الأمريكية أو الحب الروسي أو الجمال الياباني فهذا تشويه لتلك المسطلحات الإنسانية التي دفعت البشرية جمعاء الكثير من دمها وعرقها وأبنائها من أجل تشييد صروحها المضيئة على مدار التاريخ.

  • أصبح هناك بون شاسع بين المثقف العراقي المحلي الذي عاش في ظل نظام حد كثيراً من إبداعه ومعرفته بالعالم وبين مثقف عراقي منفي تعتبر الغربة هي من أكثر سمات تجربته الإبداعية وضوحا ، فهل سنجد في المرحلة القادمة في العراق ثقافتين لا ثقافة واحدة وثقافة متمايزة بشكل كبير؟

  • - لن نجد هذا البون أبداً إلا في عقلية بعض المتحزبين والمثقفين العاطلين عن الإبداع.. الثقافة العراقية واحدة لا فرق بين محمد خضير الذي قضى عمره في الداخل وبين سعدي يوسف الذي قضى جل عمره في المنافي
    والح، والخ.
    وقد حاول النظام وبعض المتشبعين بعقليته وضع خطوطاً فاصلة بينهما، لكنهم لم ينجحوا.. كثيراً ما كانت تصل نصوص أصدقائنا من الداخل تحمل في خطابها المستتر الكثير مما نريد قوله..
    وكثيراً ما نسمع بأن نصوصاً مستنسخة لنا تتداول هناك بين الأصدقاء والقراء.
    لكنك يمكن أن تضع خطاً فاصلاً بين المبدع الحقيقي (سواء في الداخل أو الخارج) عن المهرج والمخبر والفاشل (سواء في الداخل أو الخارج أيضاً)
    وهذا هو الفارق الحقيقي الذي يجب أن نضعه بينهما..

  • هل تمخضت الفترة الماضية بنصوص أبداعية جديدة لدى عدنان الصائغ؟

  • - بعد "نشيد أوروك" الذي كتبت قسماً كبيراً منه في الداخل، وبعد تجربة "تأبط منفى"، أواصل أشتغالاتي على نص طويل مفتوح أسميته "نرد النص".. يحمل كل غرائبية واقعنا الذي نعيشه اليوم، ويفضح المسكوت عنه في ثقافتنا ووضعنا العربي..

     
    البحث Google Custom Search