أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الحوار الفائز بالجائزة الأولى (مناصفة) في مسابقة "الملتقى الثقافي الأول"، المنعقد في بغداد 2005:  


لقاء مع الشاعر عدنان الصائغ

أجراه: توفيق التميمي
- بغداد -

• لدم صديقي علي الرماحي دور أساسي في مواصلتي لمشوار القصيدة
• حداثة نصي داخل موروثي وواقعي الذي أعيشه
• عانيت من الضغينة والحسد الشيء الكثير سواء داخل الوطن أو خارجه
• سعيتُ مع مجموعة من الأدباء الشباب داخل الوطن لتأسيس ثقافة مغايرة عن السائر.


"شاعر مبدع يواصل مسيرته عبر حرائق الشعر ويغمس كلماته بدم القلب يرحل بعيداً عبر الجزئيات الصغيرة للحياة العراقية في صيرورتها ويتوغل في أبعاد الناس البسطاء بكلماتٍ مثقلةٍ بالبذور والزهور والأثمار"
هذا ماقالهُ الشاعر الكبير الراحل عبد الوهاب البياتي بحق شاعر شاب ظهرت قصيدته الأولى من خجلها 1982. ومنذ ذلك الوقت أرتبط أسم الشاعر بالجدل واللغط والإنتباه للدرجة التي تستدعي ناقداً هاماً كمدني صالح يجازف عنه بالقول: "إنه أشعر العرب الذين جاءوا إلى الشعر بعد نزار قباني والبياتي والسياب".
تميزت تجربته الشعرية بالإرتباط بالحرب موضوعاً ووجعاً وتفرد عن سرب الحداثة الثمانينية بصوت خاص نحى نحو البساطة والشقافية وأولوية الهموم.
ارتبط أسمه بالمشاكسات، والمجادلات، والمناكدات، وردود الافعال المتضادة حوله شاعراً وموقفاً، كما أرتبط بجوائر شعرية في المنفى أثارت حوله اللغط والحسد.
عن كل هذا ومراحل مغامرته الشعرية كان لنا معه هذا اللقاء:

  • بين الوطن والمنفى.. وخروجك من الحرب والرقيب سهواً.. من أنصفك في لعبة "ترويض الأفاعي".. أصدقاؤك الشعرا؟ النقاد؟.. أم من كتبت لأجلهم أشعارك؟.. رجفة القلم؟.. أصدقاؤك القتلى بالحروب والزنازين؟ أم من تبقى منهم وظل يقرأك بشغف من القصيدة الأولى حتى تخوم الشيب والمنافي؟
    من أخلص لك في هذا المشوار غير القصيدة والعائلة؟

  • - أنا مدين لكل هؤلاء الذين ذكرتهم، في خروجي سالماً من غابة الأفاعي أو حقول الألغام التي عبرتها – في تلك السنوات المرّة – بحذائي المثقوب وقلمي النحيل، بحثاً عن يوتوبيا النص..
    "تلفّتُ
    كانتْ سماء العراقِ،
    مثقبّةً بالشظايا
    ........
    لا بأس، فليكتبِ المتخمون وراء مكاتبهم
    عن لحوم الوطن"
    هكذا قلتُ في قصيدتي "سماء في خوذة" ذات عامٍ متربٍ غابر من سنوات الحرب العراقية الايرانية، وقد عشتُ الحرب، قذيفةً قذيفةً، وهرستني بين اسنانها الكالحة جندياً طيلة 13 عاماً من عمري..
    وجدتُ في النص ملاذي وخلاصي ويوتوبياي.. فانكببتُ على نصوصي أدوّن موتنا السري بلغة الخطاب المستتر، مراوغاً مقصات الرقيب ومقصلة الجلاد، لأصل إلى قارئي الذي مدّني بنسغ القوة، والمحبة والتواصل.. وكان لتشجيع النقاد والأدباء الرائعين سند كبير لي في سنوات الخواء تلك، جعلني أواصل مسيرتي بأقدام ثابتة..
    لكل هؤلاء، ولأصدقائي، ولوجع الأرض، وتاريخ العذاب الذي أحمله بين ضلوعي، ولدم صديقي الشاعر الشهيد علي الرماحي الذي كشف لي المشهد مبكراً بوضوح فاجع..، ولصبر العائلة، وصبر الروح، دورٌ اساسي في مواصلة المشوار الصعب واللذيذ.. مشوار القصيدة..

  • مبكراً نال "الصائغ" شعادات تقديرية من شعراء كبار كالبياتي ونقاد بارزين كـ "مدني صالح".. ومبكراً نال الحضور في الأسلاك الشائكة لصحافة القمع.. وطبعت دواوينك التي خرجت من بين أيادي الرقيب باعجوبة.. ومبكراً نلت جوائز المنفى؟ هل هو الحظ الذي رافق مسيرتك الابداعية؟
    أم هي تعويذة الإبداع والقصيدة التي لا تملك سواها؟

  • - للإبداع الحقيقي تعويذة أو قلْ حصانة رائعة تقيه السقوط في شرك السلطة ومغريات الحياة الأخرى..
    إنه أكثر قدرة على تجنب المطبات، والقفز على الأسلاك، والأكثر التصاقاً بنصه وناسه ووطنه، ممتداً بجذوره إلى أعماق الأرض ونبض الناس وروح العصر.. غير مبالٍ بضجيج الطبول..
    " في ضجيجِ الطبولْ

    لكَ أنْ تنتحي
                 جانباً
    وتؤجّلَ ما.... ستقولْ"
    - من ديوان العصافير لا تحبُّ الرصاص 1986 بغداد -

    ولا يتأتى هذا بالحظ أو الفأل كما يتوهم البعض..
    ولكنه كدح الليالي والتجربة والقراءات والبحث المستمر والمراجعة والتجريب..
    فلكي تجترح لك صوتاً خاصاً في بلدٍ يضجّ بمئات الأصوات الشعرية، عليك إذن أن تجترح لك طريقاً بكراً لم يطأه أحدٌ غيرك.. وفي تلك تتجلى مهارة الشاعر وتفرده وسر اهتمام الآخرين به..
    وهكذا سعيتُ منذ البدء للبحث عن هذا الطريق.. المتعب واللذيذ والمدهش..
    تعبتُ كثيراً وضعتُ كثيراً وحلمتُ كثيراً.. وما زلتُ اسعى للوصول...

  • أصبحت الحداثة في الثمانينات التي شهدت قصائدك البكر علامة فارقة ومميزة للمرحلة الشعرية. كما وأصبحت سمة المباركة لشعرية الشاعر نحير أنك عاندت غواية "الحداثة".. وذهبت متفرداً بتجربتك الشعرية وخصائصها اللغوية المميزة.. أين يكمن سر هذا الاعتداد؟ وما هي الميزة التي جعلتها تتوهج من بين ركام التجارب والأسماء والأقاليم؟

  • - غواية الحداثة الجميلة، ضللتِ الكثيرين وما تزال... وتوهّم ركوبها آخرون.. وتشدق بها أدعياء كثيرون..
    وهي هناك في النص المدهش تواصل أغواءاتها الحقيقية ومشاكساتها اللدنة، حيية وعصية وحبلى بالجديد والمبتكر...
    بعض الشعراء توهمها غموضاً دامساً وتراكيب مطلسمة وبعضهم تصورها وضوحاً فجاً وشعارات مستوردة وبعضهم رآها مصطلحات فيزياوية وتحليلات كيماوية وسفراً تاريخياً في الميثولوجيا.
    وهي ليس هذا بالتأكيد، أنها أعمق وأوضح وأصدق من هذا الركام الذي نقرأه أو نسمعه يومياً بالأطنان دون أن نجد فيه شيئاً.
    ولهذا لم انسقْ معهم منذ البدء إلى هذا التوهم.. ورحتُ جاهداً ابحث عن حداثة نصي داخل موروثي وواقعي الذي أعيشهُ..

  • أدونيس يقول بأن الشعر ينبغي أن لا يكون معبراً عن القضايا الكبيرة. وعند اظطراره سيكون من أردأ الأصوات.
    عراق الخراب والطغاة. عراق المنافي وجحيم السجون. والمستقبل وأحتمالاته.. أذا تخلى الشعر عن ذلك كله. فماذا سيكتب الشعراء؟

  • - أضيف الى مقولة أدونيس قولاً لمحمود درويش وهو يرى "أن كتابة قصيدة رديئة عن فلسطين هي اساءة لفلسطين"، بمعنى آخر أرى أن ليس المشكلة هي في تناول القظايا الكبيرة بل في طريقة أخذها وتناولها واستلهامها والتعبير عنها..
    وفي ذلك تتجلى قدرة الشاعر أو عدمها.. فلكم من شعراء كبار تناولوا قضايا انسانية كبيرة وأجادوا وأبدعوا فيها..
    وكم من شعراء مبدعين تناولوا هموماً انسانية صغيرة وبرعوا في التعبير عنها. ومثل ذلك يمكننا ان نقول: كم من شعراء ضعاف المواهب تناولوا مواضيع انسانية وكونية كبيرة أو صغيرة فلم يقدموا أو يضيفوا شيئاً..
    فالفنية قبل الشعار..
    والابداع وحده هو المعيار الأول في الكتابة.

  • بعد ستة دوواين شعرية مطبوعة في الداخل وأثنين في الخارج بينهما "ملحمة كبيرة" وعشرات المقالات والحوارات.. ماذا تبقى لعدنان الصائغ ليتوله شعراً؟

  • - بعد تجربة الحرب والمنفى، تأخذني الآن تجربة جديدة في الكتابة بدأتها في نص طويل سميته "نرد النص"، وهو نص مفتوح على جميع الفنون الأبداعية والتجارب الانسانية..
    لا أدري هل هو امتداد لتجربتي أم هو انعطافة حادة..
    بدأت الكتابة به في بيروت، منتصف عام 1996 ولا أزال منشغلاً به بمتعة باهرة وعذاب مضنٍّ.. ولا أدري متى سأنتهي منه..

  • صحيح أن الصائغ لم يكتب حرفاً واحداً لتمجيد السلطة وقائدها غير أنه كان رئيساً لتحرير مجلة "أسفار" الصادرة عن وزارة الثقافة ومديراً لمنتدى الأدباء الشباب.. وطبع ستة من دواوينه الشعرية أمام أنظار المخبر والرقيب والجلاد؟ وهذا ليس أمراً هيناً.. هل أن عدنان الصائغ يمتلك مهارات خاصة في "ترويض الدفاعي" لا يمتلكها الآخرون؟ وفي "ثقافة العنف" يقول مؤلفه أنك لا تستحق جوائز المنفى التي نلقها؟ أم أنه الحسد لموهبتك؟

  • - لم أنلْ أي منصب اداري في حكومة القمع، بل عشتُ جندياً طيلة ثلاثة عشر عاماً في الخنادق الزنخة والسوائر البعيدة، وفي دواويني التي أصدرتها داخل العراق تجد أجواء الحرب والشظايا، كديواني "سماء في خوذة"، و"غيمة الصمغ"، و"العصافير لا تحب الرصاص"، وغيرها..
    ومن تلك الأجواء الكابوسية بعد 6 سنوات تم نقلي محرراً صحفياً في جريدة القادسية وحراس الوطن مع عشرات ومئات الكتاب والأدباء العراقيين، وبقيتُ هناك منذ عام 1986 حتى تسرحي من الجيش في عام 1989 وفي تلك السنة عملتُ محرراً ثقافياً في مجلة الطليعة الأدبية ثم تم انتخابي رئيساً لمنتدى الأدباء الشباب لعامين، مع مجموعة من الأدباء الشباب الرائعين. كنا نحاول أن نؤسس ثقافة مغايرة إلى حد ما عن ما هو سائد في الساحة الثقافية العراقية.. لا أدري كم نجحنا في ذلك وكم أخفقنا..
    اما عن كتاب ثقافة العنف، فقد رددتُ عليه رداً طويلاً ووافياً بعد أن وجدته مليئاً بالمغالطات والتشويهات المقصودة وغير المقصودة بالنسبة لي ولغيري من الأدباء والمبدعين العراقيين الذن لم يدنسوا نصوصهم بأي مديح أو تزويق أو تلفيق..
    هذا من جهة، أما عن شق سؤالك الآخر.. فأقول نعم.. فقد عانيتُ من الضغينة والحسد الشيء الكثير سواء داخل الوطن أو خارجه، من قبل أعداء النجاح وضعاف المواهب، وهم يلاحقونني من قصيدة إلى قصيدة ومن وطن إلى منفى..
    وقد ذكرتهم في مقطع صغير لي أقول فيه:
    "الفاشيونْ
    والشعراء المخصيونْ
    يقفون على طرفي حبلٍ
    معقودٍ في عنقي
    ويشدونْ"

  • هل تشعر بأن المشهد الثقافي العراقي الآن أمام فرصه تأريخه لينطلق بمخزوناته التي كبتها القمع وينال السلطة والنفوذ اللذين سرقتهما منه سنوات تعاقب الفاشية العسكرية على حكمة؟

  • - الابداع شرطه الحرية، هذا ما ردده سارتر، بل وذهب كافافيس إلى القول بأن "الحرية هي أولاً"..
    فبعد أن انجلى كابوس الدكتاتورية البغيض الذي خيمّ على بلدي طيلة أكثر من 30 عاماً، أقول لابد أن تنفتح كل نوافذ الحرية.. لتمتد زهور الابداع العراقي إلى مروج العالم، نشراً وترجمةً وتلاقحاً وتواصلاً..

    * في مختاراتك "خرجت من الحرب سهواً" التي صدرت في القاهرة، تقول:
    "أنا داخل في مدار القصيدة
    نصف طليق
    ونصف مصفد"
    هل لازالت وأنت في دفء وطنك بعد غياب الطغيان وسنواته المظلمة تشعر بنصف الحرية والأصفاد. أم أنك تشعر بملامح ولادة تعوض كل هزائمنا وخساراتنا؟

    * لك ياصديقي أن تكمل القصيدة نفسها "خرجت من الحرب سهواً"، لتراني أقول فيها:
    "... ولكنني
    من خلال الحطام الذي خلّفتهُ المادفعُ
    أرفعُ كفي معفرةً بالترابِ المدمّى
    أمام عيون الزمانِ
    أعلمه كيف نحفرُ أسماءنا بالأظافرِ
    كي تتوهج: لا ....."
    ولك أن تذهب إلى نهايتها حيث تُختتم القصيدة هكذا:
    "هذي البلادُ على بعد قنبلةٍ من وريديك، يا أيها الطائر المتغرب بين القواميس، إنّا نقيسُ الحياةَ على حجم قنبلةٍ عبرتْ صبرنا الصعب، نسقط منها الشظايا – الزوائد، كي نرتديها قميصاً من البهجة المستحيلة ...
    - هل خطأٌ أن نحبَّ الحياةْ؟"

    بغداد 13/1/2004

     
    البحث Google Custom Search