أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الشاعر عدنان الصائغ

واقعنا الثقافي معتاد على النمطية والتكريس
وليس من السهل لديه أن يفتح أبوابه للطارق

أجرت الحوار: آمنة بنت محمد البلوشي
مسقط/عُمان

عدنان الصائغ شاعر متميز ويتمثل تميزه في ابداعه المتواصل من مغتربه حيث التحم شعره بالوحشة حتى تغلغل في مسامات الغربة.
عُمان الثقافي طرح على الشاعر العديد من الاسئلة، وفيما يلي نص الحوار:

  • كتاباتك تنوعت بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر أيهما أقرب إلى الشاعر عدنان الصائغ.... ولماذا؟

  • - عرفتُ ومارست كتابة الشعر العربي باتجاهاته وبحوره وأصوله، ثم تمردت على أوزانه وقافيته التي أرى أنها مجرد إكسسوارات قد تجمّل النص،.. أو تثقله. مؤمناً أن جذوة الإبداع غير هذا تماماً..
    إنها الروح الحية في القصيدة من كثافات مبهرة وموسيقى داخلية واشراقات..
    ومن هنا أرى أن لا مواصفات جاهزة لتعريف النص المبدع.. والذي يبقى دائماً مفتوحاً على جميع الاتجاهات والاحتمالات..
    وأمامكِ النصوص الصوفية والنثرية القديمة، التي حملت مناخات شعرية خلاقة دون أن تتمترس بخندق شكل أو مدرسة فنية. فكل قصيدة مبدعة تحمل قوانينها وتعريفاتها ومدرستها..
    حين أشرع في كتابة القصيدة، لا أدري إلى أين ستأخذني موجاتها مثل ربان ترك لرياح المعنى أن تحركه وتمضي به في دروب السيرورة.
    وفي هذا لذة الاكتشاف ومفاجآت النص الجديد..
    ويبقى الأقرب لي دائما روح النص، بأي شكل كان.
    خذي هذا المقطع من إحدى قصائدي العمودية القديمة التي كتبتها عام 1981:
    "للحزن نافذةٌ ـ في القلب ـ سيدتي
          وللمساءات.. أشعارٌ ومصباحُ
    معتّقٌ خمر أحزاني.... أيشربهُ
        قلبي، وفي كل جرح منه أقداحُ
    تسافر الريحُ ـ ويلي ـ في ضفائرها
          ومن يطارد ريحاً كيف يرتاحُ"
    وخذي هذا المقطع لي من الشعر الحر:
    "قال أبي:
    لا تقصصْ رؤياكَ على أحدٍ
    فالشارعُ ملغومٌ بالآذانْ
    كل أذانٍ يربطها سلكٌ سرّيٌ بالأخرى
    حتى تصلَ السلطانْ"
    وخذي هذا المقطع من قصيدة نثر:
    "أكلُّ هذه الثورات
    التي قام بها البحرُ
    ولم يعتقله أحد"
    أو:
    "عندما لم يرني البحر
    ترك لي عنوانه: زرقةَ عينيكِ
    وغادرني"
    ترى أي اختلاف أو معنى هنا للشكل أو الوزن أو القافية؟ أنا لا أرى ذلك إطلاقاً.

  • بما إنه صدر لك عشر مجموعات شعرية، ما هي التجديدات التي أضفتها طوال كتاباتك في الشعر؟

  • - كل شاعر يحاول أن يضيف سطراً لأبجدية هذا الكون الشعري.
    قد يتركُ شيئاً، يظلُّ مضيئاً إلى الأبد في كل عصرٍ وذاكرة وذائقة. وقد تمسح الريح ما تركه بعد هنيهة من الزمن.
    وهذا السؤال الوجودي المهم يقلق الشعراء والمبدعين في كل الأزمنة والأمكنة، ولن يجيب عنه سوى الزمن.
    بالنسبة لي، أحاول أن أختط لي مساراً مختلفاً إلى حدٍّ ما عمن سبقوني أو جايلوني. قد أفلح في إيجاد هذه المغايرة، أو ربما سيطويني النسيان. أنها محاولة أسعى فيها بدأبٍ ليس إلاّ، ولازال أمامي الكثير.
    هذه المحاولة تجسدت في بعض ما كتبته من قصائد الومضة والتوقيعات في ديوانيّ "تكوينات" و"تأبط منفى".
    وفي  التعبير الملحمي المعاصر "في نشيد أوروك" الذي  مزج الواقعي بالتاريخي بالسحري، وحشد القصيدة بالطاقة الإيحائية والشعرية إلى جانب حشدها بالمعارف الإنسانية دون  السقوط في المباشرة، والابتعاد عن الغموض المفتعل.
    ربما أفلحت في هذا وربما لا.. الأمر متروك – كما أرى - للزمن وللنقاد وذائقة القارئ الجاد.

  • حصولك على جائزة مهرجان الشعر العالمي عام 1997 في روتردام جعل البعض من الكتاب  وخاصة المتخصصين في الصحافة لا يعترفون بإبداعك الشعري لماذا؟

  • - ربما لأنني لست شاعراً كبيراً ومعروفاً ومدعوماً من البلاط  العربي الرسمي: حكومة أو أحزاباً أو طوائف أو عشائر، فلا طاقة لبعض الكتاب والنقاد والصحفيين على تمحص المنتج لوحده بجدية، ولا طاقة على استيعاب الاسم الجديد في ثقافتنا العربية ومهرجاناتنا واحتفالاتنا إلا بعد زمن طويل..
    لا بأس،
    سأنتظر هذا الزمن!
    واقعنا الثقافي في أحيان كثيرة معتاد على النمطية والثبوتية والتكريس فليس من السهل لديه أبداً أن يفتح أبوابه للطارق الجديد حتى لو حمل شيئاً.
    إنه يحتاج إلى زمن طويل من الطرق حتى يعتاده أو يفتح بابه وأنا عنيد وجاد بهذا الطرق منذ أول قصيدة!
    أول قصيدة نشرتها في صحيفة الجمهورية نهاية عام 1982 أثارت اهتمام الناقد المعروف يوسف نمر ذياب فكرس مقالته الاسبوعية عنها لكن رئيس التحرير رفض نشرها وأصر الناقد وأصر رئيس التحرير وعلى أثر ذلك غادر الناقد عمله في الجريدة إلى جريدة أخرى لينشرها هناك. وكل المشكلة والاعتراض لدى رئيس التحرير أنني شاعر شاب غير معروف أنشر نصي للمرة الأولى فكيف تكرس الجريدة عموداً كاملاً للكتابة عني.
    ولم أعلم هذا الأمر وقتذاك إلاّ بعد فترة طويلة لأنني كنتُ جندياً، مرمياً على سواتر الحرب بعيداً عن بغداد ومقاهيها وصحفها وأدبائها..

  • الشعر يمثل للبعض معادلا موضوعيا أمام قسوة العالم ووحشته وبرودة شوارعه ماذا يمثل الشعر بالنسبة إليك؟

  • - يذكر الشاعر بابلو نيرودا أنه زار في أحد الأيام منجماً في بلده، ووسط ضجيج العمال وسحب الغبار التفت إليه أحد العمال، قائلاً: "أنا أعرفك منذ زمن بعيد.. يا أخي" ويعلق نيرودا قائلاً: "هذا هو أكليل الغار الشعري، فمن تلك السهوب الرهيبة، خرج عامل قالت له الريح والليل والنجوم، بتشيلي، مرات عديدة: "إنك لست وحدك، ثمة شاعر يفكر في آلامك"
    بالنسبة لي كان الشعر ولا يزال هو إثياكاي، أنا يوليسيس المبحر بصواري المنخوبة باتجاه المدينة الفاضلة وأرخبيلات زرقتها اللامتناهية.
    وأرى أن الشاعر المعاصر، وهو يواجه تحدياته المتعددة، اليومَ، على سطح هذا الكوكب الملتبس، لا يجد أقوى وأجدى سنداً له في محنته الوجودية والإنسانية غير الشعر - المعادل الموضوعي، لكل ما يمر علينا من أحداث غير موضوعية، تلك الأحداث الكارثية بحروبها المتسارعة والمتصاعدة حدّ أن أوشكت حركة كوكبنا على التوقف لكثرة صراخ البشر وهم يدقون الأرض بأرجلهم حنقاً وغضباً.

  • أصبحت ثيمة ( الحزن) كحالة دائمة لأغلبية الأدباء بشكل خاص. برأيك هل الخروج من إطار الحزن يعني إن الإبداع المتنوع في (القصة، الرواية، الشعر،.. الخ) سيكون ناقصاً إذا لم يرتبط به؟

  • - لا أعتقد ذلك!
    إن كلمة "الحزن" أصبحت مرادفاً لوصف حالنا على كافة المستويات، حتى غدت جزءاً من ثقافة الحالة واعتيادها، ولن يقتصر الأمر على الشعر بل يمكن أن نتلمس انبجاسات الحزن في الأغنية والقصة واللوحة والمسرح وغيرها.
    أنا معك أننا غارقون في كل نصوصنا بطوفان من الحزن لا بداية له ولا نهاية.
    لنجرب الفرح.. ربما سيمنحنا شيئاً ما، إحساساً مختلفاً.
    ولكن من أين يأتي الكاتب العربي بالفرح، وهو محاصر من قمة رأسه حتى أخمص حياته بالأحزان والفجائع.
    خبزه مغمّس بالحزن، فليس غريباً أن نجد أوراقه كذلك.
    وليس الفرح وحده ما نسيناه، بل شعر الحب أيضاً.
    وهذه مشكلة أخرى تُضاف إلى مشاكله غير المرئية
    فبعد نزار قباني مثلاً لم نعد نرى إلا نصوصاً خجولة هنا وهناك.
    لم نعد نجد شاعراً عربياً يكرس كلَّ حياته للحب، والعرب هم من أفردوا لهذا الباب دواوينَ ومجلدات ومعاجم.
    شاعرٌ دنماركي أسمه بو كرين ينسن Bo Green Jensen كتب 14 ديواناً شعرياً عن زهرة جميلة واحدة ذات ألوان متعددة أسمها Rosen
    14 ديواناً عن زهرة واحدة!!
    وأسأل معك (ولا اعفي نفسي): مَنْ من الشعراء كرس للفرح أو للحب ديواناً كاملاً؟
    ألا تستحق زهور الفرح والحب أن نفتح لها نوافذنا..

  • الكلمة المفردة التي تستخدمها في قصائدك لها كينونة ونسيجٌ خاص وكأنها تبحث عن ذاتها لتشكل منها تعبيرا وصفيا لتلتحم بالواقع والخيال معاً. كيف تفسر لنا هذه العلاقة المتكافئة بين الكلمة الشعرية والصورة التعبيرية؟

  • - الكلمة كيان حي متجدد يمكن أن يُشحن بطاقات تعبيرية لا نهائية.
    وهذا ما يفعله الشاعر على الدوام، أنه لا يستخدم الكلمة بمعناها القاموسي المجرد بل يذهب بها إلى أقصى تخومها. ولا يكتفي بذلك، بل يؤسس منها عوالم وصوراً متخيلة يعبر فيها عما لا يُستطاع التعبير عنه. وفي ذلك تكمن طاقة الكلمة الشعرية على التجدد والدهشة.
    وحساسية الشاعر مع الكلمة هي مقياس شاعريته، وهي التي تميز طريقة كتابته. وكلما ازدادت هذه الحساسية رهافةً، كلما ازداد منسوب الشعر في النص.

  • في قصائدك نجد أحلاماً ما زالت تبحث عن أفقها وكأنها مبعثرة وفي نفس الوقت هذه الأحلام تشعر بالاغتراب ... وكما تقول في إحدى المقاطع في ديوانك تأبط المنفى. معنى هذا أن المنفى لم يكن ذاتيا ليقع عليك وإنما بعثر أحلامك؟

  • - أحاول بالحلم أن أنتصر على رتابة الواقع وفجائعه.
    أؤسس لي عالماً من اليوتوبيا أبحر إليه مع أوراقي وخبزي القليل، لأجد بعضاً من الراحة والمتعة بين أحراشه التي لا تذبل.
    قد يكون المنفى جزءً من الحلم، أو هو اليوتوبيا الذي رحل إليه يوليسيس، بحثاً عن أثيكاه.
    لم أشأ، ولم يشأ الكثير من الشعراء العراقيين أن يختاروا منفاهم بل التجأوا إليه باعتباره منفذاً أو مهرباً من القمع والكوابيس والضغوطات السياسية والاجتماعية التي تحاصرهم في وطنهم
    لقد عرف المنفى شعراء وأدباء منفيين منذ فجر الكتابة، فقد نُفي الشاعر الروماني أوفيد بعد كتابه "فن الهوى" إلى مدينة توميس المهجورة على شاطيء البحر الأسود.. وعثرت هيئات التنقيب على لوح بابلي يحمل قصيدة كتبها شاعر بابلي مجهول عاش قبل أربعة آلاف سنة، يقول فيها:
    "لقد نفتنا الآلهة
    لقد نفتنا الآلهة
    غرباء حتى مع أنفسنا
    نجوس أزمنة التأريخ والمستقبل
    دون قيثارات
    هكذا كان حكمنا الأبدي
    رحلة بحارة يعشقون النبيذ"
    وما زال المنفى يستقطب المئات والمئات من الأدباء والفنانين والمفكرين..
    والحلم والمنفى مترادفان، فقد يعجز الكاتب عن تغيير واقعه، فيلجأ إلى الحلم وما الفنون والآداب إلا أحلام تمشي بين الناس.
    والمنفى لم يبعثر أحلامي فقط بل شتت حياتي كلها.
    ها أنا أتطلع من نافذتي في - جنوب القطب الشمالي - كل صباح إلى سحب أحلامي المتناثرة في هذا الفضاء المترامي الخيبات، حالماً بوطن حر وطاولة للكتابة.
    ولولا هذا الحلم كيف يمكن تجرع غصص المنفى التي عبر عنها الشاعر ناظم حكمت، صارخاً فوق ثلوج سيبريا:" يا لحياة المنفى من مهنة شاقة".

  • ما رأيك فيما يقال ويكتب بأن الأدب العربي بإنثيالاته المتنوعة مرتبط بالتحديث الجديد والذي يتضمن رؤى الفكر الأوربي وخاصة (العولمة)؟

  • - التأثر والتأثير الطبيعيان واردان في كلِّ شؤونِ المعرفة الإنسانية وهو أمر إيجابي يثري النتاج الإبداعي ويضيف إليه، عكس الاستنساخ والتقليد الأعمى الذي هو كسل فكري لا يمت للإبداع بصلة..
    وقد مر العصر الحديث بتيارات فكرية جديدة كان لا بد للأدب العربي أن يتأثر بها ويتلاقح معها وقسم كبير من هذا التأثير كان إيجابياً أثرى الساحة الأدبية بالكثير من الأفكار المعاصرة.
    ولا خوف على المبدع المتجذر بأصالته وتراثه من التأثر بمناخات الثقافات الجديدة، مثلما لا خشية عليه من الإقتلاع..
    يقول غاندي: "لا اريد لبيتي أن يكون مستوراً من جميع الجهات ولا أريد أن تكون نوافذي مغلقة. أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم، لكني أنكر على أيٍّ منها أن تقتلعني من جذوري"
    ويبقى التأثر والتأثير مصطلحاً معرفياً إنسانياً حراً، لا يخضع لإشكالية العولمة والاشتراكية والليبرالية وغيرها. لندع المصطلحات السياسية للسياسيين ونأخذ من هذا التمازج الحر هدفه الإنساني والإبداعي الأسمى.
    عندما نقرأ ماركيز أو نجيب محفوظ أو ميلان كونديرا أو سان جون بيرس أو السياب أو المقالح أو أدونيس أو بورخس أو سترنبيرغ نتوقف عند منجزهم الإبداعي أكثر مما نتوقف عند وطن الكاتب وسكناه واديولوجيته ومعتقداته الدينية وغيرها..
    ولا خوف عليهم ولا علينا من التأثر والتأثير..

  • كونك كاتباً ومثقفاً مشغولا بالانثيالات القومية في الوطن العربي كيف تفسر الحالة المتردية وخاصة الأدبية ( الثقافية) التي يعيشها المثقف في العالم العربي اليوم وهل الانكسارات التي تتوالى في الوطن العربي ستؤثر سلبا على رؤى المثقفين؟ أم تتفجر لديهم رؤى مغايرة تخدم الإبداع الحضاري وتطويره في الوطن العربي؟

  • - تردي واقعنا الثقافي جزءٌ من تردي المشهد السياسي والاجتماعي بشكل عام.
    وغياب الحرية ساهم إلى حدٍّ كبير في انحسار المد الإبداعي، فالهواء في وطننا العربي الواسع لم يعد يكفي لرئة كاتب واحد كما عبر يوسف أدريس ذات مرة.
    وبالإضافة إلى تفشي الأمية الثقافية والقيود والهزائم والإنكسارات تطفو على السطح عوامل أخرى كثيرة فنرى مثلاً أن دار نشر أوربية واحدة تعادل ما تنتجه دور النشر العربية مجتمعةً.
    لقد أُصبت بالدهشة والذهول قبل سنين حين قرأت إحصائية لليونسكو تقول أن معدل حصة المواطن العربي من القراءة خلال العام كله لا تزيد على 6 دقائق!
    وأتساءل بمرارة كبيرة: ماذا يفعل المواطن العربي في بقية السنة؟ أليس يذهب أغلب وقته في اللهاث وراء اللقمة ومتابعة المسلسلات وخطب الحكام.
    وليجبني أحدٌ أين تذهب هذه الـ 525594 دقيقة، التي يعيشها الإنسان العربي خلال عامه!؟.
    هذا المشهد القاسي والمعتم لا يلغي ومضات الإبداع المذهلة التي نراها هنا وهناك وهي تتصاعد رغم الإهمال والأسلاك والتعتيم وتلفت إليها أنظار العالم يوم بعد يوم..
    أنني أرى أن على المبدع أن يزيده هذا الوضع إصراراً على المضي، ولا يصيبه بالإحباط.
    إن الانقطاع واليأس أمر فاجع للثقافة، لكن التواصل والبحث عنصرٌ فعال،  فالثقافات الإنسانية تزدهر وتنمو بالتواصل والجهد الحقيقي لذا فعلى المبدع أن يستمر ويستمر، لكي يأتي بعده مَنْ يواصل مسيرته.
    إن رحلة الإبداع طويلة وتحتاج لإضافات تكملها إضافات أخرى، جيلاً بعد جيل.

  • شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية في السويد، لندن، هولندا،.. الخ. كيف وجدت التجربة الشعرية في تلك الدول؟ وبما ذا يتسم تنظيم وتحكيم في هذه المهرجانات العالمية؟

  • - الأمر مختلف من مهرجان إلى مهرجان. لكن بشكل عام يجلب انتباه المتابع، دقة تنظيم المواعيد والقراءات والأسماء وغيرها
    ويمكن أن نلاحظ من جانب آخر كسراً لنمطية المهرجانات المعتادة.. فنسمع ونقرأ ونرى في أحيان كثيرة بعضاً من الأمسيات تحمل الفنتازيا التي تقربها من روح الشعر ودهشته، وليس في قاعة محصورة،
    *

    آخر مهرجان شعري شاركت فيه كان ملتقى انسوينترو Encuentro  في مدينة مالمو السويدية، على مدى ثلاثة أيام وقد تم افتتاحه في حمام البخار في مسبح عام، ومرة قرأنا على ظهر سفينة ومرة في معمل للشوكولاتا...
    وقبل سنوات اشتركت في مهرجان شعري في النرويج أقامه دار السنونو واليونسكو واتحاء أدباء النرويج، وكانت مفاجأة لي وللوفد العربي حين رأينا أن السيدة التي كانت تقف خلف المنصة مع عريفة الحفل لتقرأ قصائدنا المترجمة هي وزيرة الثقافة النرويجية.
    وقد توجد هناك بعضاً من السلبيات، لكنها غالباً ما تكون عابرة وحين تحدث ستجد من يقدم لك أو للجمهور اعتذاره ويتم تلافيها في المهرجان القادم..

  • بدأ الكثير من الأدباء وخاصة الشعراء يتسلقون نحو أفق (الرمز) واعتبر بعض النقاد تلك الرمز هو مجرد ألغاز ويهدف منها الهروب من مقص الرقيب لكن هذا الرمز يتصف أحيانا بعدم الارتباط بالمضمون الفكرة التي يطرحها... ما رأيك في تلك الرؤى؟

  • - الرموز واللغة الطلسمية والغموض المفتعل، أوقع شعرنا العربي في منزلق خطير وقاده إلى دهاليز مظلمة ليس لها بداية وليس لها نهاية بحجة التجديد والحداثة، وهي قطعاً ليست كذلك..
    أنني أرى أن الكثير من قصائد المتنبي والشريف الرضي وأبي نؤاس، أكثر حداثة مما يكتبه البعض من نصوص "حداثوية" فارغة شكلاً ومضموناً
    وما زال الكثيرون، وخاصة التجارب الجديدة، تتخبط في هذا الضحضاح.
    إنه طريق سهل لا يحتاج سوى إلى تسطير كلمات غامضة لا يربطها رابط وحشوها برموزٍ وصور متقاطعة لتصبح قصيدة نثر، لا نجد من يتجرأ على تعريتها خوفاً من اتهامه بالرجعية الشعرية.
    فأصبح لها جمهور واسع من الشعراء والمريدين، وصارت لها سلطة!
    نعم سلطة كاملة فليس من السهل أن تقول رأيك عنها بصراحة، فأولى الإتهامات التي ستواجهك أنك رجعي وكلاسيكي متخلف وغير حداثوي، والخ.. لهذا لاذ الكثيرون – نقاداً وشعراء وحتى قراءً-  بالصمت، بل اندفع بعضهم لمماشاة الموضة.
    قرأت قبل فترة لأحد الشعراء بحثاً طويلاً تحت عنوان "المكعب الدلالي – قراءة سيميائية لنص تكعيبي للشاعر حميد سعيد" ولم أجد لا في الشعر ولا في النقد شيئاً ذا أهمية بل كان النقد أكثر غموضاً وتكعباً من النص نفسه.
    إنني أرى في الكثير من  هذا الغموض "المصطنع" عجزاً وتغطية لشحوب النص أو الفكرة، وليس هرباً من الرقيب.
    لماذا يخشى الرقيب وهو – أي النص - لا يقول شيئاً بالمرة؟
    أنني أرى في القليل من الغموض "الحقيقي" شطحات شعرية وتهويمات صوفية، أو خطاباً مستتراً للهروب من مقص الرقيب ومراوغته..
    وهذا التحايل على المقص الرسمي – من خلال الغموض واستخدام الرمز والخطاب المستتر- يحتاج إلى دربة ومهارة وذكاء وموهبة شعرية.
    وهذه الموهبة الشعرية لا تلجأ إلى الاتكاء على الغموض المعتم والخزعبلات بقدر ما تلجأ إلى الرمز الموحي والمعنى المستتر والفنية العالية.

  • برغم التحديثات التي يم إضافتها في الشعر إلا إنها ما زالت تعاني من الضعف أحيانا وخاصة في التكثيف اللغوي! برأيك هل الضعف يرجع إلى الرقابة وتأثيرها السلبي؟ أم إن هناك أسبابا أخرى من وجهة نظرك؟

  • - ليس كل تحديث هو خرق إبداعي يؤسس على ما تم تهديمه ويضيف إليه ويجددة ويحدّثه..
    هناك تحديث لمجرد التغيير، لمجرد مماشاة الموضة الشعرية، فرأينا قسماً كبيراً من الشعراء يكتب اليوم قصيدة النثر تماشياً مع موضة الحداثة لكنك حين تقرأ نصه تراه يكتب قصيدته الحديثة بروح الشعر العمودي الكلاسيكي، وأن تغير شكلها.
    وهذا الضعف الذي أشرتِ إليه لا يرجع إلى عنصر الرقابة (التي لها سلبيات كثيرة غير هذا) إنما أساسه فقر الموهبة أو كثرة الادعاءات..
    التحديث ينمو طبيعياً ويغتني ويتوسع نتيجة قراءات الشاعر المتعددة وتجاربه ونضوجه الفني وسعيه الحثيث لتطوير نصه واجتراح آفاقاً جديدة له.

  • نجد من بع قصائدك اغترابا.. لدرجة يصعب عليك إهداء الوردة لأحد... كما قلت في إحدى مقاطع في ديوانك الأخير تأبط المنفى.
                  "سأقطف الوردة
                   سأقطفها
                   لكن لمن سأهديها
                     في هــذا الــغــســق من وحـــدتــي! ..."
    ويتمثل الاغتراب لديك في قسمين( الوطن، الروح)  أيهما أصعب برأيك؟

  • - أحياناً يشعر الشاعر بوحدته الوجودية حتى وهو يعيش بين صخب الأصدقاء. هذا الإحساس لم يمليه تغير المكان أو انكسارات الحياة بل أملاه توق الروح إلى الإنعتاق من كل أسر إلى فضاء أرحب
    ذات غروب حقيقي من عام1996 كنت أتمشى وحيداً على رمال بحر بيروت، والغسق ينشرُ ذؤاباته الليلكية على مساحة الأفق. كنتُ أريد مغادرة الشاطيء، لكن إلى أين؟ لم تكن لدي رغبة في العودة إلى البيت أو اللقاء مع صديق أو الجلوس في مقهى أو حانة.
    هذا الاغتراب المزدوج، هو أقصى ما يعانيه الشاعر في غربته، بعيداً عن وطنه حين يجد نفسه موزعاً بين عدة اغترابات.
    فحين لا يكون لك – في لحظة ما - ثمة من تلتجأ إليه في غربتك، وتجد قدميك تجرانك بلا هدى على رصيف منفى ولا تري أين ستنتهي بك. تكون الوحدة هنا أقسى ما يمكن تصوره.

  • في إحدى المهرجانات في عام 1996 في القاهرة تم نسف وهجوم الشعر المسترسل (النثر) من قبل النقاد  وتم نسفه بحضور العديد من الشعراء أمثال (محمود درويش، سعدي يوسف، وسليمان العيسى) وأكدوا بأن الشعر (النثر) لم يخلق لغة شعرية أو شاعرية وأيضا رأوا إنها ليست فنا جديدا في الشعر. برأيك ما هي الأسباب التي جعلتهم ينسفون قصيدة (النثر)؟

  • - تتعدد أسباب رفض قصيدة النثر من قبل الكثيرين، شعراء أو قراء أو نقاد، إلى جملة من الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية:
    منها مبدأ الثبوتية الذي دأبت عليه ثقافتنا العربية ورفضها الجديد دائماً، يقول أوجين أونسكو: "كل أدب جديد هو عدائي. العدائية تمتزج بالأصالة وهي تقلق ما أعتاد عليه الناس من أفكار"،
    ومنها اعتداد الكاتب المتقدم بسنه وتجربته، فلا مجال أمامه لتغيير مساره،
    ومنها الحرص على تقاليد القصيدة العربية التي لها هذا التاريخ الطويل.
    ومنها هذا الطوفان العارم من قش القصائد الشاحبة التي تكتب اليوم باسم قصيدة النثر والتي تكاد تسد مجرى نهر الشعر العربي..،
    هذه الأسباب وغيرها قادت إلى تلك النتائج التي رأيناها في مهرجان القاهرة وغيره، ونراها اليوم هنا وهناك..
    لكن حين يقوم المتفحص بنظرة منصفة إلى إشكالية قصيدة النثر سيفرد لكل معضلة باباً ويناقشه ليجد أن قصيدة النثر حالها حال كل ما مر بتاريخ الشعر، من أبي تمام وأبي نؤاس وحتى الموشحات والبند وغيرها إلى القصيدة الحرة ومن  ثم قصيدة النثر.. وهي تنمو وتتطور  وتجترح مسارها رغم كثرة الأدعياء فيها وركام القش، ورغم كثرة أو قلة الرافضين لها.
    نعم. ستواصل قصيدة النثر دورتها الطبيعية شاء الرافضون أم أبوا.. فتسقط عنها أوراقها الذابلة والكاذبة لتتبرعم وتتفتح زهورها الجديدة الحقيقية مع كل ربيع.

  • يواجه الكثير من المبدعين والذين يمتلكون طاقات إبداعية مميزة صعوبات المحور الثلاثي (المصلحة، مع صاحب النشر، المادة، ملازمة الكرسي!) برأيك هل هذه المحاور تمنع الطاقات الشبابية من الإبداع؟ أم الإصرار الحقيقي يحطم هذه الأسوار؟ وإذا كانت لديك تجربة في ذلك الموضوع. هل يمكنك أن تحدثنا عنها؟

  • - لا شيء في العالم يمنع الكاتب الجاد من مواصلة مشروعه الإبداعي، أيّاً كانت الحواجز: سياسية أو اجتماعية أو دينية أو حزبية أو دور نشر، وهو كطائر العنقاء كلما احترق عاد من رماده ليواصل التحليق.
    وعلى امتداد تاريخ الإبداع الإنساني لم نجد الطريق سهلة أبداً أمام المبدع.. كان عليه على الدوام أن يعاني لكي يجترح له مكاناً في جدار الوجود، كان عليه أن لا يستجيب لضغوطات الواقع ولا لتوصيفات دور النشر، كان عليه أن يقفز باستمرار كلًّ الأسيجة التي زرعوها أمامه. وكلما علت هذه الأسيجة احتاج المبدع إلى طاقة أعلى للقفز عليها أو تحطيمها.. وذلك هو قدر المبدع – يا سيدتي - في كل زمان ومكان.
    غالباً ما لا يرضي النصُ الجديدُ ذائقة المجتمع وبالتالي لا يرضي دور النشر التي تفكر بالربح وإرضاء الجمهور قبل أي شيء آخر، تبعاً لمنطق الحسابات التجارية الذي يلزم الناشر أن يفكر بها قبل أن يفكر فيما عداها.. بعض الأدباء أو الشعراء يكتب وفق ما يمليه عليه شباك التذاكر ودور النشر.
    والبعض الآخر لا يعير بالاً لذلك .. يمضي بمشروعه إلى أقصى تخومه واثقاً من فكرته مؤمناً بطروحاته التي سيلتفت لها الزمن اليوم أو غداً
    لقد عانيت – حالي حال الكثير من الكتاب–  مثل هذه الإشكاليات والضغوطات وخاصة في طبع ديواني "نشيد أوروك" الذي تعرض للمنع في أكثر من بلد عربي، وكانت لي حكايات غريبة وعجيبة مع دور النشر يطول الحديث عنها.

  • قرأت لك عموداً في إحدى الصحف الخليجية حملت عنوان (لماذا نكتب؟) ...ونحن نسألك نفس السؤال لماذا تكتب؟ وما هـــي دوافع الكتابة لديك؟

  • - نعم أنا أكتب لكي أعيش حياتي نصاً يتمشى بين الناس، ولكي أرى نفسي في مرايا الوجود.
    في مفتتح ديواني الأخير "تأبط منفى" هناك قصيدة قصيرة بعنوان  "نص" أقول فيها:
    "نسيتُ نفسي على طاولةِ مكتبتي
    ومضيتُ
    وحين فتحتُ خطوتي في الطريق
    اكتشفتُ أنني لا شيء غير ظلٍّ لنصٍ
    أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ
    ويصافحُ الناسَ كأنه أنا"
    منذ سنين علقت على جدار غرفتي الصغيرة في بغداد قصاصة كتبتُ فيها شيئاً من غابريل غارسيا ماركيز وهو يقول: "في
    اليوم الذي لا أقرأ فيه ولا أكتب، لا أستحق وجبة الطعام".
    لقد أصبحت الكتابة بالنسبة لي طقساً يومياً، كثيراً ما أجد أناملي تحكني لأمسك القلم، أحركه بين أصابعي، أقضم أطرافه، أتلذذ به كما يتلذذ المدخن المدمن بفرك سيجارته بين أصابعه كأنه يتحسس معشوقته.
    ربما لأنني لا أدخن أصبح القلم يلازمني كسيجارة مدمن على التدخين. نعم لم أدمن الخمرة ولم أدخن السيجارة طيلة حياتي، وهذا الأمر كثراً ما أثار استغراب البعض من أصحاب الأوهام الشعرية الذين لا يتخيلون الشاعر بدونهما.
    لكنني - لحسن الحظ أو لسوئه - أدمنت الكتابة، لأنني أجد فيها لذتي اللامتناهية.. وهي الأكثر قدرة على امتصاص احتراقاتي.
      
  • مازال البعض في وطننا العربي ينظر إلى  قصيدة النثر نظرة سطحية ويعتبرها مجرد رصف كلمات لأنها تفتقر لكل مقومات القصيدة الحقة!! برأيك هل تلك النظرة تتجه نحو محاربة التجديد في أساليب الكتابة أم تتجه نحو الكلمة الغير المكثفة لغويا؟

  • - قد أقفُ دهشة وانبهاراً أمام قصيدة نثر كتبها الماغوط أو أنسي الحاج أو سان جون بيرس أو بودلير وغيرهما.
    وقد أتسمر دهشة وانبهاراً أمام قصيدة عمودية كتبها سعيد عقل أو الجواهري أو إيليا أبو ماضي أو البردوني أو المتنبي وغيرهما.
    وقد أنبهر دهشة وتذوقاً أمام قصيدة حرة كتبها السياب أو أمل دنقل أو المقالح أو صلاح عبد الصبور وغيرهما.
    فلا الحدود الفنية ولا الوزن ولا القافية، مَنْ يقوّم أو يفرز الإبداع الشعري.
    من يقومه هو الذائقة البارعة التي تغربل عشرات النصوص لتستخرج منها ما هو جميل ومدهش ومتجدد في كل زمان ومكان وحال. ومن خلالها قرأنا ونقرأ مئات النصوص الرائعة والخالدة والمتوهجة دون أن نلتفت لشكلها أو إيقاعها أو ثقلها أو مناسبتها أو موطنها أو منزلة صاحبها.

  • هل أنت منحاز إلى كل ما تفرزه التكنولوجيا من إفرازات لذلك ساهمت بنشر موقع أدبي في الانترنت؟ وبرأيك هل الانترنت كفيل للاتصال بالآخرين وله دور فعال للنشر والتأثير على (المتلقي) ؟

  • - لست منحازاً لكل افرازات التكنولوجيا بشكل مطلق. هنالك ما هو كارثي فيها، قادنا إلى اليورانيوم المنضب والقذائف وكواتم الصوت.
    وهناك ما قادنا إلى عوالم النور والتحضر في مختلف المعارف والمعالم الإنسانية المعاصرة.  ويتجه بنا اليوم إلى أرخبيلات الانترنيت المدهشة.
    أنا كشاعر وكإنسان، آخذ من التكنولوجيا ما أراه ضرورياً للتواصل، وتجميل الحياة، وخدمة البشر وسعادتهم. ومن بين ذلك الانترنيت الذي هو  واحد من أهم افرازات وانجازات العصر الحديث. والذي مد جسور التواصل بين البشر بسرعة وسهولة وجمال وأزال الحدود والأسلاك أمام النص.
    وهل هنالك أجمل من هذا؟
    ها نحن نتواصل عبر أسلاك الانترنيت، أنا الساكن في جنوب القطب الشمالي وأنت الساكنة على شواطئ الخليج. وقبل أيام قليلة كنتُ في حوار طويل عبر فضاء الانترنيت أجرته معي شبكة "جسد الثقافة" جمعني مع أصدقاء وقراء من كل أصقاع العالم، أمتد على مساحة 20 يوماً، هطلت فيه على نافذتي أمطار الأسئلة من لندن والسعودية ودول الخليج والسويد والأردن وغيرها، وأجبت عليها بكل حرية ومتعة حقيقية وكأنني أحاورهم وجهاً لوجه، معبراً ومعبرين عما نريد قوله بلا رقيب أو أسلاك..

  • حدثنا عن آخر ديوانك (تأبط منفى) وما تحتويه من موضوعات؟

  • - تأبط منفى قادتني إليه جملة عابرة أطلقناها بعفوية د. عبد الرضا علي ونحن أمام باب مقهى الهورشو حيث شيخ المنفيين الشاعر عبد الوهاب البياتي.
    قلت له وأنا أودعه حيث سيطير إلى صنعاء: سلّم لي على منفاك. فأجابني ضاحكاً: وأنت أيضاً، سلّم لي على منفاك..
    وافترقنا في دروب قادتنا إلى دروب ودروب وتقلّبت بنا المنافي. وبعد صدور ديواني " نشيد أوروك" وانتقالي من بيروت، أخذتني الغربة حتى وجدتني قريباً من جنوب القطب الشمالي. هناك كتبت قصيدتي "العبور إلى المنفى" التي شكلت إحدى قصائد الديوان. ثم أثارتني قصيدة جميلة أهداها لي الصديق الشاعر عبد الرزاق الربيعي، فوجدتُ نفسي ملتصقاً بهذا العنوان الذي وجدته أكثر تعبيراً وأقرب إلى الحال والمآل الذي أعيشه ويعيشه ملايين العراقيين اليوم.

  • إن كانت لديك إطلاعات في الشعر في (عمان) كيف تجد الحركة الشعرية بهــــا؟ ولمن تقراء من الشعراء العمانيين؟

  • - أطلعت على أصوات عديدة من المشهد الشعري العماني. البعض رسخ خطواته وبصماته والأخر مازال يحاول..  وقد قرأت العديد من نصوصهم في الصحف ومواقع الانترنيت والبعض أوصل لي مشكوراً مجاميعه  الشعرية.
    من التجارب التي اطلعت عليها: سيف الرحبي , زاهر الغافري , , محمد الحارثي، عبدالله الريامي, ناصر العلوي علي المخمري، صالح العامري، اسحاق الهلالي، نسرين البو سعيدي، سعيد الصقلاوي، سماء عيسى، وغيرهم ممن فاتني ذكرهم.

  • ماذا يعني لك المنفى؟!

  • - صرخ ناظم حكمت قبلنا بعشرات السنين: "يا لحياة المنفى من مهنة شاقة"
    وقبلنا، قبل أكثر من ألفي عام هام الشاعر الروماني أوفيد في منفاه على شواطيء البحر الأسود،.. ليموت وحيداً في غربته..
    ومات الجواهري والبياتي ومصطفى جمال الدين بعيدين عن شواطيء دجلة ليدفنوا في دمشق. ويدفن بلند الحيدري تحت ضباب سماء لندن.
    والقائمة تطول وتطول...
    شعراء كثيرون قبلي ماتوا في منافيهم ولا زلتُ هنا في الليالي الوحيدات أسمع حشرجاتهم الأخيرة  تتصاعد في هذه السهوب البعيدة..  من جزر استراليا إلى غابات امريكا.. ومن ثلوج السويد إلى شواطيء المغرب والخليج..
    هذا المشهد القاتم رسم لي المنفى على شكل نفق طويل لا أرى ثمة ضوء في نهايته.
    انه المتاهة التي رمتني فيها أقدار الشعر أو أقدار الوطن، هربا من موت قريب واقتراباً من موت بعيد..
                                                

    نشر في صحيفة "عُمان" – مسقط ع 7937 في 24 فبراير 2003

     
    البحث Google Custom Search