أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

تَذَكُّر

وقفتْ أمام مرايا قصائدي
تمشّطُ أحلامَ شَعرها الطويلِ الأسودِ
وتتمايلُ بغنجٍ لذيذٍ
وتتذكّرُ - وهي تتأملُ من على شرفةِ الورقةِ -
شريطَ يومياتها الذي مرَّ سريعاً
          تذكّرتْ جنوني الذي تركتهُ على شفتيها
          تذكّرتْ كلَّ حرفٍ وفوضى وقرنفلٍ فاضحٍ
          تذكّرتْ غرفتنا التي لا يملُّ المؤجرُ من طرقِ أبوابها، حتى منتصفِ الشهرِ التالي
          تذكّرتْ رمالَ يدي اللتين كانتا  
          تحتضنان تلاطم أمواج خصرها
          تذكّرتْ سنوات الحبِّ الثماني، وسنوات الحربِ الثماني،
          التي أخذت من عمرنا الكثيرَ
          تذكّرتْ بريدَ القنابل الذي كان يحملُ رسائلي إليها من السواترِ البعيدة
          تذكّرتْ كلَّ التفاصيل التي عشناها معاً:
                    الشوارع الوجلة، الشوارع اللامبالية،
                    الشوارع الضاجة، الشوارع السعيدة،
                    الشوارع المقفرة،
                    الشوارع التي تشبهُ أيامنا،
                    وأحلامنا المتشّعبة التي تشبهُ الشوارع:
تتفرعُ، وتلتقي، وتنتهي، ولا تنتهي، وتضيقُ، وتتسعُ، وتسكرُ، وتشيخُ، وتتناسلُ، وتكذبُ، وتنامُ، وتبولُ، وتحلمُ وتموتُ...
الشوارع التي تحفظُ عن ظهرِ قلبٍ يومياتنا السرّيةَ، وخطى العشبِ، ومواعيدَ زعلكِ..
تذكّرتْ:
قيلولةَ الشاي، وأزهارَ الشقّة رقم (1)، وكذبَ الأصدقاء، وقصائدَ سان جون بيرس، وقائمةَ الديونِ، وأمطارَ الندمِ، والصباحاتِ المشاغبةَ، والباصَ المتأخرَ دائماً، والقلقَ النامي على سياجِ أحلامنا، وأغاني قطارِ البصرة تحت رذاذِ المطرِ والشظايا، والحماقاتِ التي كنا نرتكبها معاً، والمصطباتِ الوحيدةَ التي عندما نودعها لا تطالبنا بفاتورةِ الحسابِ..
تذكّرتْ:
تسكعنا الطويلَ على الجسرِ الحديديِّ، البكاء َالطويلَ أمامَ يتيمٍ عابرٍ، سرياليةَ أحلامنا، بياناتِ الحربِ {السوداء}، معارضَ الفنِ التشكيلي، الكتبَ المستعارةَ، فتيات المدارس المشاكسات، المصاعدَ العاطلةَ، أزقةَ الهذيانِ، الندى الليلي، خرائطَ الجوعِ، أسرّةَ الضحكِ، صافرات الإنذارِ، مصابيحَ البقِّ، عواءَ الإذاعاتِ، غربةَ الرازقيِّ، فنادقَ الثرثرة، أزمنةَ الكلماتِ المتقاطعةِ والأماني المتقاطعةِ، شموعَ الخضرِ الطافيةَ على موجِ الدعواتِ الأزرقِ، بكاءَ الناياتِ في الأعراسِ، زقّوراتِ بابل، شباكَ وفيقة، ثلوجَ سرسنك، قصرَ العاشقِ والمعشوقِ، كورنيشَ الأعظميةِ، أزقةَ الموصل التي ضللنا بها، ديوان المنصف المزغني المحلّق معنا في الطائرة، ظلالَ اليوكالبتوز البخيل، مسرحياتِ عوني كرومي، استنساخَ الأحلام الممنوعة {والكتب الممنوعة}، أفلامَ كوداك، تيهَ المعريِّ، أعمدةَ شارع الرشيد، سراديبَ النجف، عشبَ يدينا النامي بين أحجارِ البازلت الأسود في قصر الملك نبوخذنصر الثاني، حشرجةَ سيارتي قرب بيتكم، حصى التون كوبرى، ملويةَ سامراء، رمادَ الحلاج، نهرَ روحي الذي يمضي بين أصابعكِ وأنتِ تمسّدين أسدَ بابل الحزين، تينَ "الشفاف" المتشقّق، رائحةَ الزعلِ، كشكَ المواعيدِ، أسلاكَ البوحِ، هواتفَ الحنين المتشابكة، مدنَ السهرِ، حدائقَ التسكّعِ، جرائدَ الشرودِ، أعمدةَ اللوعةِ، نوافيرَ الوداعِ، لافتات الفرح، أنهارَ التذكّر...
تذكّرتْ كلَّ هذا
كلَّ ما يمكنها أن تتذكّرَهُ
فبكتْ...
بكتْ طويلاً...
بكتْ طويلاً جداً
بكتْ عمراً كاملاً كما بكيتُ أنا


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search