أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

الشاعر

يتكيء الشاعرُ على حافةِ الغروب، محدقاً بسطوحِ المنازل التي بدأتْ تنكسرُ نحو أرصفةِ المدينةِ، فتسحق ظلالَها الأشجارُ والباصاتُ والعابرون.. أما ما يتبقى داخل المعارضِ الزجاجيةِ من رغباتِ المدينةِ المعلبةِ فسرعان ما يذبلُ في آخرِ اللهاثِ، وقد هدأتِ الأسرةُ تماماً وكذلك المصابيح، تاركاً هذه السحابةَ المتكسّرةَ من الأنينِ تتصاعدُ من فمِ الارضِ - كلَّ مساءٍ - مثقلةً بالدموعِ والأمنياتِ والحشرجاتِ نحو السماءِ.. هكذا يتكون المطرُ، من دموعنا نحن، هكذا تنبتُ الأعشابُ وتذبلُ مثلَ رغباتِنا على الأرضِ، هكذا تنسربُ أغانينا المبحوحةُ من ثقوبِ النايات، هكذا تنكسرُ أحلامنا على زجاجِ الواجهاتِ اللمّاعةِ، تتشظى على الرصيفِ فيكنسها - كلَّ صباحٍ - عمالُ البلديةِ، .. فتهدأُ الشوارع..
وحدها القصيدةُ لا تهدأ، تهبطُ السلمَ الحجريَّ بهدوءٍ، مارةً بالبيوت، باباً باباً، وثقباً ثقباً، غير أنها إذ تسمعُ صافراتِ العسسِ، تستديرُ في أولِ منعطفِ نحو الأزقة الفرعيةِ، خائضةً حتى ركبتيها بالأوحال التي نساها بطرُ الشتاءِ الفائتِ، ها هي تقتربُ من شباكِ الأرملةِ الوحيدةِ، من دولابها الخشبي الذي يخفي نصفَ رغباتها. وتخفي تقلباتُها - على السريرِ - النصفَ الآخرَ من العالمِ، ياه.. كمْ بعيدة تلك النجمة!؟
تقتربُ من الأشجارِ، تقتربُ من الحانةِ، من أين للقصيدةِ كلُّ هذه الرغبةِ في البكاءِ على شرشفِ الورقِ الأبيضِ. لا مطر، لا تفاح، لا أجراس، أيتها النافرةُ، كغزالةٍ، في براري الفكرةِ الشاسعةِ. إنني أشدُّ قوسي إلى أقصاه وكذلك أنفاسي، فحاذري عينَ الصيادِ، وأقصدُ عينَ الشاعرِ تنفتحُ إلى أقصى مدى لاقتناصكِ أيتها الكلمةُ الهاربةُ الشاردةُ في أدغالِ الروحِ، وأقصدُ: غزالةَ المعنى..
مبتدئاً بعشبِ القصيدةِ وهو يذبلُ، بعشبِ الأرملةِ وهو يذبلُ، بالفتياتِ وهن يزقزقن أمامَ بابِ المدرسةِ وسطَ صياح الباعةِ، بأشجارِ اليوكالبتوز الضخمةِ وهي تخفي ظلالَ العشاقِ عن عيونِ المديرةِ العانسِ، بالقنابلِ التي حفظتْ عناويننا عن ظهرِ قلب، بالمرابين وهم يرمون آثاثنا من شقةٍ إلى شقةٍ، بشخيِر الشوارعِ وهي تنامُ على صدري آخرَ المساءِ، بخفقِ أحذيةِ آخرِ السكارى وقد ضلَّ طريقَ بيتهِ فأقودُ الطريقَ إليهِ، بالمعدةِ التي أرتّقها بالأبرِ والكبسول فتفتقها الديونُ والكتبُ، بالموسيقى وهي تتصاعدُ من أنيِن البحرِ الحبيسِ في أحواضِ الفنادقِ الضخمةِ.. مبتدئاً من كلِّ هذا، ومنتهياً بالشاعرِ وهو يرفُّ بجناحيهِ الكسيرين في غاباتِ اللغةِ، محاولاً التحليقَ في سماءِ الشعرِ الزرقاء العريضة، فتصدّهُ أغصانُ النثرِ المتشابكةُ والأسلاكُ الشائكةُ، حيث يرى وهو يتكيءُ على حافةِ المدينةِ تلكَ الزرقةَ اللانهائيةَ وهي تنسربُ - مثل أحلامهِ - في شقوقِ الظلامِ.


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search