أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

انكسارات حرف العين

- فصل ثالث -

وصولاً إلى الدهشةِ، أتوغلُ في لحاءِ الشجرِ، وصولاً إلى النسغِ صاعداً باتجاه الوريقاتِ وهي تفتحُ عينيها - لأولِ مرةٍ - على عالمِ الخضرةِ والسواقي والأسواقِ. ها أنني أرتعشُ مع أصغرِ برعمٍ في الطبيعةِ، وأخفقُ مع أبعدِ طائرٍ أو نجمةٍ في السماءِ … لي كلُّ هذا النبضِ الشموليِّ، لي كلُّ هذه المسافاتِ، وأدّعي أنني وحيدٌ وحزينٌ تماماً، على مصطبة قصائدي، أغزلُ خيوطَ سنواتي الواهنة عباءةً للريحِ بانتظار موسيقى خطاكِ القادمةِ من الينابيعِ..
وصولاً إلى الدهشةِ، أنحدرُ باتجاهِ الشوارعِ الخلفيةِ، باتجاهِ بائعةِ القيمرِ، وثرثرةِ صاحبِ الفندقِ عن النساءِ ومسحوقِ الغسيلِ والعرقِ وكراجِ النهضةِ، باتجاهِ الجسرِ الحديديِّ وأوراقِ العشبِ لوالت ويتمان، حتى حروف المصّححِ، مروراً بديوان كزار حنتوش والكتبِ المستعملةِ، باتجاه مقهى حسن عجمي، باتجاه المعلمةِ الأنيقةِ، باتجاه حديقةِ الأمةِ حتى مطاعمِ الدرجةِ العاشرةِ ومساطرِ عمالِ الطابوقِ، حتى "آفاق عربية" حيث الفاتنةُ تستنسخُ أحزانَ الشعراءِ بعينين ذابلتين من النعاسِ والبوحِ. ربما أدركتْ ذلك على شريطِ التسجيلِ وأنا أتسكّعُ مع البياتي في مدنِ الذكرياتِ المهجورةِ،... باتجاه الدهشةِ أحملُ عنقي على طبقِ المغامرةِ وأقصدُ طبقَ الحماقاتِ. كلُّ ذلك من أجلِ الشعرِ... غير مبالٍ تماماً لما يحدثُ لهذا الجسدِ، وكأن ذلك لا يعنيني بالمرّةِ... لأجرّبَ كلَّ شيءٍ ما دمتُ قادراً على ملءِ المساماتِ التي تُسمّى أيامي قبل أن يملأها السوسُ والديدانُ والريحُ...
باتجاهِ الدهشةِ، وصولاً إلى ماذا؟
أقولُ الدهشةَ وأقصدُ الكتابةَ. أقولُ الكتابةَ وأقصدُ ذكرياتكِ وجنوني. أقولُ الحدائقَ وأقصدُ زهرةَ الياسمينِ. أقولُ الشوارعَ وأقصدُ شباكَ الأميرةِ المطلَّ على غابةِ قصائدي. أقولُ الصباحَ الجديدَ وأقصدُ زهورَكِ الصباحيةَ على طاولتي. أقول أسلاكَ الغيمِ الماطر وأقصدُ صوتكِ الشهي، مرتبكاً يمطرني. أقولُ اكتبي انعكاساتكِ على مراياي وأقصدُ أوراقَكِ الأنثويةَ الممنوعةَ من البوحِ.
أقولُ لأنكِ لم تمهلي فرحي أن يمطرَ فقد انفجرتْ غيمتي على صحراءِ الشرشفِ الأبيضِ ممسكاً بالنافذةِ وأنا أرى انتحارَ بروقي قريباً من أنفاسِ زهرتكِ الظامئةِ.
وصولاً إلى الدهشةِ، وصولاً إلى اللذةِ، وصولاً إليكِ، وصولاً إلى القصيدة المتمنعة... أتناثرُ يومياً في الطرقاتِ كشظايا المرايا وأعودُ مساءً لألملمها على الورقِ... تلك هي حياتي...
واقفاً أتطلعُ إلى ما حولي:
.... أقدامٌ تركضُ، أقلاٌم تركضُ، أحلامٌ تركضُ، تركضُ، تركضُ، تركضُ، تركضُ،.. متى تتوقف أيها اللهاثُ عن الركضِ على جسدِ السريرِ المائلِ من طرفٍ واحدٍ، باتجاهِ رائحةِ الإبطين، باتجاهِ رائحةِ بائعةِ القيمرِ في صباحاتِ الطفولةِ الشهيةِ على السطحِ الصيفيِّ، باتجاهِ البحرِ، البحر الذي يحلمُ بالأسماكِ وعطلةِ نهايةِ الأسبوعِ والأجسادِ اللدنةِ اللابطةِ في منيّهِ.. لا أحدَ يلتفتُ إلى البحرِ الذي هو المرآةُ، وأقصدُ مرآةَ النفسِ باضطرابِ أمواجها أو هدوئها اليائسِ، حيثُ المراكبُ المثقوبةُ تمخرُ باتجاهِ الأحلامِ... ثمةَ مراكب على اليابسة يحفّها الرملُ من كلِّ الجهاتِ، وثمة مراكبٌ على الورقِ، وثمة مراكبٌ على السريرِ، وقليلةٌ هي المراكبُ التي في البحر...


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search