أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
     
القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع

في المقهى...

ودلفتُ إلى مقهى الأدباءِ.. وحيداً، مرتبكاً، أتحاشى نظراتِ الشعراءِ الملتفين على بعضهمُ، وحواراتِ النقاد… وجدتُ لنفسي كرسياً مهترئاً.. أتردّدُ بعضَ الوقتِ، وأجلسُ منحشراً قربَ دمي المتوجّسِ، أرنو لوجوههمُ ملتذاً.. أتذكرُ أني أبصرتُ ملامحَ بعضهمُ تتصدرُ أعمدةَ الصحفِ اليوميةِ، والكتبَ الزاهيةَ الألوانِ… سعلتُ قليلاً من بردِ الطرقاتِ، وأقبيةِ الأعوامِ الرطْبةِ، والريحِ!… خشيتُ بأني سأعكّرُ صفوَ تأملهم بشحوبي وسعالي…
حاولتُ بأن أتلهى بتصفحِ ما بين يدي من صحفِ المقهى…
كانتْ نفسُ الأوجهِ تبرزُ من خللِ الأسطرِ، تحدجني ببرودٍ لمْ أفهمْهُ!…
جاءَ النادلُ… لمْ "يتواضعْ" أحدٌ أنْ يطلبَ لي شاياً!
فطلبتُ من النادلِ… أن يأتيني بالبحرِ، وزقزقةِ الغاباتِ المنسيةِ في كراساتِ طفولتنا، ورسائلِ حبي الأولى تحت وسادةِ بنتِ الجيرانِ، ونوحِ نواعيرِ أغانينا فوق ضفافِ الكوفةِ، والقمرِ الحالمِ، والدفلى، وأراجيحِ العيدِ، وركضِ الصبيةِ تحت رذاذِ المطرِ العذبِ، وأشعارِ الحبِّ المخبوءةِ في قمصانِ التلميذاتِ، ورائحةِ البردي‍!.....
‍هزَّ النادلُ كتفيهِ ذهولاً، ومضى يضحكُ من أحلامي المجنونةِ..
– لا بأسَ!… سأطلبُ شاياً!
كان المقهى يغرقُ في ثرثرةِ الروّادِ، وغيمِ سجائرهم،..
وأنا وحدي أغرقُ في غيمِ دمي الماطرِ فوق الأوراقِ، وأرصفةِ العالمِ،.. منشغلاً بقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ بدأتْ تنقرُ نافذةَ القلبِ – بكلِّ هدوءٍ – وأحسُّ خطاها تتسلّلُ عبرَ دمي والأدغالِ المصفرّةِ..
قلتُ لعلَّ الفاتنةَ الدلِّ تشاركني طاولتي، والغربةَ!..
في خجلٍ.. أخرجتُ – من المعطفِ – أوراقي البيضاءَ كقلبي…
حدجتني الأعينُ!.. وابتدأتْ همساتُ النقادِ، الشعراء، تحاصرني…
لمْ أتمالكْ نفسي..! لملمتُ بقايا أوراقي، وخرجتُ إلى الشارعِ – مندفعاً – تحت نثيثِ الأمطارِ وريحِ الغربةِ والكلماتِ المجنونةِ.. أبحثُ عن طاولةٍ هادئةٍ في هذا العالمِ…
تكفي لقصيدةِ حبٍّ بائسةٍ،
وأغاني رجلٍ جائعْ

7/2/1984 بغداد


* أُلقيتْ في اتحاد الأدباء العراقيين– بغداد – في 7/11/1984


القصيدة اللاحقة | القصيدة السابقة طباعة القصيدة | الرجوع الى اصدارات | الرجوع
 

البحث Google Custom Search