أخبار
 
بيلوغرافيا
سيرة قلمية
نصوص
اصدارات
شهادات في التجربة
أقواس قزح
دراسات
مقابلات
مقالات
صور
سجل الضيوف
العنوان
مواقع اخرى
صوت
فديو
 
 
الرؤوس والفلوس في حركة التأريخ

"أن الظالمين بعضهم أولياء بعض"
لآية الكريمة

"إن لي علاقات بصدام حسين الذي فرض الآن على قيادة
البعث أن تحفظ بعض صور القرآن الكريم"
حسن الترابي

- صدام حسين: "جففنا الأهوار لأن الرائحة كانت كريهة والمرأة عندما تعبر مجرى النهر ترفع ثوبها فينكشف جسدها أمام الجميع"
- جان برنارد ريموند: "ايضاحاتكم عقلانية، لقد عجبتُ قبل مقابلاتكم من تعليقات الصحف الغربية التي تنتقد عمليات التجفيف"
من محضر لقاء وفد لجنة العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية مع صدام حسين يوم السبت 20 كانون الثاني 1996

"سقطت وزارتنا وشكل غيرها   لا خير في الأولى ولا في الثانية
في رأسهن الباججي وكلهم         يتنازعون على كراع الماشية"
الشيخ محمد جواد السهلاني

يذكر أبن الاثير في كتابه "الكامل في التاريخ" " ان الرجل اذا أخّل بواجبه الذي يُكتب اليه أو جبن في الحرب أو ترك الثغر ـ زمن الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي ـ نُزعتْ عمامته ويقام للناس ويُشهر أمره، فلما ولي مصعب قال ما هذا بشيء وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى فلما ولي بشر بن مروان زاد فيه فصار يُرفع الرجل عن الارض ويُسمّر في يديه مسماران في حائط فربما مات وربما خرق المسمارُ كفه فسلم فلما كان الحجاج قال: هذا لعبٌ، اضرب عنقه من يَخْلِ مكانه مَنْ الثغر.. والخ، والخ..".
واتركْ رواية ابن الاثير في مسلسل العقاب وتطور الارهاب وتعال الى القاضي الديار بكري المالكي وهو يصور لنا مسلسلاً اكثر رعباً في واحدة من أكثر فصول التاريخ العربي مفارقة ووحشية فيقول: " في سنة 71هـ جلس  عبد الملك بن مروان في قصر الامارة في الكوفة ووضع رأس مصعب بين يديه فقال له عبد الملك بن عُمير: يا امير المؤمنين: جلستُ انا وعبيد الله ابن زياد في هذا المجلس ورأس الحسين بن علي بين يديه ثم جلستُ انا والمختار بن أبي عبيدة فاذا رأس عبد الله بن زياد بين يديه، ثم جلستُ أنا ومصعب هذا فاذا رأس المختار بين يديه ثم جلستُ مع أمير المؤمنين فاذا رأس مصعب بين يديه وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شر هذا المجلس، فأرتعد عبد الملك بن مروان وقام من فوره وأمر بهدم القصر".
واتركْ القاضي المالكي في مسلسل تبادل قطع الرؤوس الذي جرّ  التأريخ العربي الى المسلخ من اجل كرسي الحكم، وتعال الى رشيد بن الزبير في كتابه "الذخائر والتحف" وهو يروي: " ان محمد ابن سليمان احد عمال الرشيد ترك 50 الف مولى. ولما ولي البصرة اهدى الى الخيزران مئة وصيف بيد كل وصيف جام ذهب مملوء مسكاً، فقبلت ذلك منه".
واتركْ أبن الزبير في مسلسل الفلوس والعبيد والهدايا وتعال الى الجاحظ في بخلائه وهو يتحدث عن حال بعض الناس في زمانه الذين كانوا يسمعون "بالشبع سماعاً من افواه الناس".
واخرجْ من كل هذا الى حركة الفكر العربي الذي لم يكن بمعزل عن هذا المشهد باي حال من الاحوال من مسلسل الرؤوس الى مسلسل الفلوس وما بينهما، وأستقريء معي تاريخ الفكر هذا وما تعرض المفكرون والفلاسفة والعلماء والفقهاء والشعراء والكتاب من اغتراب واستلاب وارهاب أدى الى تلك النهايات المفجعة لعدد من المتمردين والمختلفين والزهاد الذين رفضوا الوقوف على ابواب السلاطين.
لكنك في المقابل تجد مئات الدواوين وآلاف القصائد ضاجةً بمدح هذا السلطان او ذاك بل لا يكاد يخلو خرج شاعر عربيٌ قديم ـ إلا القلة النادرة منهم ـ من قصيدة مدبجة لممدوح، وينطبق هذا الأمر على عدد كبير من كتب التاريخ والفكر والفلسفة والطب والحكمة والترجمة والقصص والخ... حتى ان الجاحظ الذي وُصف بأنه "عين ساهرة لا تغفو إلا على كتاب ولا تفيق إلا على كتاب". حينما سُئل عن حاله وصنيعته في البصرة، قال: " اني أعيش مع جارية وخادمة وخادم وحمار. أهديتُ كتاب الحيوان الى الزيات ـ الوزير فأهداني خمسة الاف دينار وأهديتُ كتاب البيان والتبيين الى الوزير أبن أبي داوود فأعطاني خمسة الاف دينار وأهديت كتاب الزرع والنحل الى ابراهيم بن العباس فأعطاني خمسة الاف دينار فأنصرفتُ الى البصرة ومعي ضيعة لا تحتاج الى تجديد وتسميد".
وفي البصرة نفسها كان النضر بن شميل أوحد أهل زمانه في الفصاحة والادب لا يجد ما يأكله. وحين خرج الى خراسان، خرج في توديعه آلاف الناس فقال لهم: "يعزُّ علي والله فراقكم ، ولو وجدتُ عندكم كل يوم كيلة من الباقلاء ما فارقتكم". وعاش ابو حيان التوحيدي في بغداد معدماً بائساً وأضطر الى احتراف نسخ الكتب، وفي آخر أيامه أحرق كتبه ضناً بها على الناس.
ورغم ضيق الهامش الذي أتاحه السلطان للمثقف العربي وربطه بعجلته واخضاعه لرقابته الصارمة إلا ان هذا الهامش كثيراً ما يطغي على المتن نتيجة قوة اشعاعاته الفكرية وتأثيره على حركة التأريخ ومسيرة المجتمع الذي يُراد تسييره وفق منهج الرؤوس والفلوس.
ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدها المفكرون والمثقفون في تلك المناخات، ورغم التزوير الذي قام به البعض تحت سياسة الترغيب والترهيب إلا ان الثورات الفكرية التي كانت دائماً تؤكد انحيازها للعامة، تركت لنا تراثاً فريداً يمكننا الاتكاء عليه لأستقراء تاريخ الناس وافكارهم وهمومهم والذي تغافله مؤرخو الملوك، وكذلك تلمس الحياة العامة والصراعات الفكرية والسياسية وعلاقات الحب والتقاليد الاجتماعية التي صورها الشعراء في قصائدهم بعيداً عن بلاط الملوك.

عدنان الصائغ

 
البحث Google Custom Search